تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرۡتَدَّ مِنكُمۡ عَن دِينِهِۦ فَسَوۡفَ يَأۡتِي ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ يُحِبُّهُمۡ وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ يُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوۡمَةَ لَآئِمٖۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ} (54)

وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه } إن قوله تعالى : { من يرتد } وإن كان حرف توحيد وتفريد فإن المراد منه الجماعة والعصابة ، ولأن الواحد أو الاثنين إذا ارتد عن الإسلام يؤخذ ، ويحبس ، ويقتل ، إن أبى الإسلام ، والجماعة إذا ارتدوا عن الإسلام احتيج إلى نصب الحرب والقتال على [ ما ] نصب مع أهل الردة .

وفي الآية دلالة إمامة أبي بكر الصديق رضي الله عنه لأن العرب لما ارتدت عن الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حاربهم ، وكان هو ومن قام بحربهم ممن أحب الله ، وأحبه الله .

وعن الحسن رضي الله عنه { فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه } . أنه قال ، والله [ أعلم : هم : ] أبو بكر وأصحابه رضي الله عنهم وقوله تعالى : { قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا } [ الفتح : 16 ] يدل على إمامة أبي بكر رضي الله عنه لأنه كان الداعي إلى حرب أهل الردة .

فإن قيل : يجوز أن يكون النبي صلى الله عليهم وسلم هو الذي دعاهم قيل له : قال الله تعالى : { فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا } [ التوبة : 83 ] فمحال أن يدعوهم ، فيطيعوا ، وقد قال تعالى : { فقل لن تخرجوا معي أبدا } . فإن قيل : قد يجوز أن يكون عمر رضي الله عنه هو الذي دعاهم قيل له : فإن كان فإمامة عمر رضي الله عنه ثابتة بدليل الآية . وإذا صحت إمامته صحت إمامة أبي بكر رضي الله عنه لأنه المختار له والمستخلف . فإن قيل : قد يجوز أن يكون علي رضي الله عنه هو الذي دعاهم إلى محاربة من حارب ، قيل : قال الله تعالى : { تقاتلونهم أو يسلمون } [ الفتح : 16 ] وهذه صفة من يحارب /132-أن مشركي العرب الذين لا تقبل منهم الجزية . وعلي رضي الله عنه إنما حارب أهل البغي ، وهم مسلمون . ولم يحارب أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم أهل الردة غير أبي بكر رضي الله عنه فكانت الآية دليلا على صحة إمامته .

وقوله تعالى : { فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه } ؛ { فسوف } كقوله : { فعسى } [ الآية : 52 ] وال : عسى واجب . أخبر عز وجل أنه { يأتي بقوم يحبهم } لبذلهم أنفسهم في مجاهدة أعداء الله وتركهم في الله لومة لائم ، فذلك لحبهم الله لأنه لا أحد يبذل نفسه للهلاك وترك لومة لائم إلا [ من يحبون ] الله ، ويحبهم الله لما أثنى عليهم بقوله : { يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم } وحبهم لله لما بذلوا أنفسهم في مجاهدة أعدائه وتركهم لومة لائم . وفيه دلالة إثبات إمامة أبي بكر رضي الله عنه لأنه صلى الله عليه وسلم أثنى عليهم : بخروجهم في سبيل الله ومجاهدة أعدائه فلو كان غاصبا ذلك على علي رضي الله عنه أو كان غير محق بذلك لم يكن الله ليثني عليه بذلك لأنه كان أخذ ما ليس له مضيعا حقا لغيره . ومن كان هذا سبيله لم يكن يستوجب كل هذا الثناء من الله تعالى . فهذا ينقض على الروافض قولهم وما روي [ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من كنت مولاه فعلي مولاه » [ الترمذي : 3713 ] وغيره من الأخبار : وذلك في الوقت الذي طلب علي رضي الله عنه الخلافة ، وحارب عليها لأنه لا يحتمل أن يعلم أن له الخلافة في زمن أبي بكر رضي الله عنه ويرى الحق لنفسه ، ثم يترك طلبها لأنه كان مضيعا حق الله عليه . فدل سكوته وترك طلبه على أن الحق ليس له ، ولكن كان لأبي بكر رضي الله عنه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { أذلة على المؤمنين } أي للمؤمنين أي ذوي رحمة ورأفة للمؤمنين { أعزة على الكافرين } أي [ ذوي مشاقة ] شديدة على الكافرين ، وهو ما وصفهم عز وجل .

وقوله تعالى : { ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء } اختلف فيه :

قال بعضهم : ذلك الجهاد في سبيل الله أي في طاعة الله { ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء } وقيل : ذلك الإسلام { ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع } قد ذكرنا هذا في غير موضع .