معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَكَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَمَا بَلَغُواْ مِعۡشَارَ مَآ ءَاتَيۡنَٰهُمۡ فَكَذَّبُواْ رُسُلِيۖ فَكَيۡفَ كَانَ نَكِيرِ} (45)

قوله تعالى : { وكذب الذين من قبلهم } من الأمم رسلنا ، وهم : عاد ، وثمود ، وقوم إبراهيم ، وقوم لوط ، وغيرهم ، { وما بلغوا } يعني : هؤلاء المشركين ، { معشار } أي : عشر ، { ما آتيناهم } أي : أعطينا الأمم الخالية من القوة والنعمة وطول العمر ، { فكذبوا رسلي فكيف كان نكير } أي : إنكاري وتغييري عليهم ، يحذر كفار هذه الأمة عذاب الأمم الماضية .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَكَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَمَا بَلَغُواْ مِعۡشَارَ مَآ ءَاتَيۡنَٰهُمۡ فَكَذَّبُواْ رُسُلِيۖ فَكَيۡفَ كَانَ نَكِيرِ} (45)

ثم خوفهم ما فعل بالأمم المكذبين [ قبلهم ] فقال : { وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا } أي : ما بلغ هؤلاء المخاطبون { مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ } { فَكَذَّبُوا } أي : الأمم الذين من قبلهم { رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } أي : إنكاري عليهم ، وعقوبتي إياهم . قد أعلمنا ما فعل بهم من النكال ، وأن منهم من أغرقه ، ومنهم من أهلكه بالريح العقيم ، وبالصيحة ، وبالرجفة ، وبالخسف بالأرض ، وبإرسال الحاصب من السماء ، فاحذروا يا هؤلاء المكذبون ، أن تدوموا على التكذيب ، فيأخذكم كما أخذ من قبلكم ، ويصيبكم ما أصابهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَكَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَمَا بَلَغُواْ مِعۡشَارَ مَآ ءَاتَيۡنَٰهُمۡ فَكَذَّبُواْ رُسُلِيۖ فَكَيۡفَ كَانَ نَكِيرِ} (45)

ثم بين لهم - سبحانه - بعد ذلك هوان أمرهم . وتفاهة شأنهم بالنسبة لمن سبقوهم ، فقال : { وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ مَآ آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُواْ رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } .

والمعشار بمعنى العشر وهو لغة فيه . تقول : عندى عشر يدنار ومعشار دينار ، قال أبو حيان : والمعشار مفعال من العشر ، ولم يبين على هذا الوزن من ألفاظ العدد غيره وغير المرباع . ومعناهما : العشر والربع . .

والضمير فى قوله { وَمَا بَلَغُواْ } يعود لكفار مكة ، وقوله : { مَآ آتَيْنَاهُمْ } وفى قوله : { فَكَذَّبُواْ رُسُلِي } يعود إلى الأمم السابقة .

والنكير : مصدر كالإِنكار ، وهو من المصادر التى جاءت على وزن فعيل .

والمعنى : لا تحزن - أيها الرسول الكريم - لتكذيب قومك لك ، فقد كذب الذين من قبلهم من الأمم رسلهم ، وإن قومك لم يبلغوا من القوة والغنى والكثرة . . عشر ما اكن عليه سابقوهم ، ولكن لما كذب أولئك السابقون أنبياءهم ، أخذتهم أخذ عزيز مقتدر ، بأن دمرناهم جميعا .

والاستفهام فى قوله - تعالى - { فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } للتهويل . والجملة الكريمة معطوفة على مقدر والمعنى : فحين تمادوا فى تكذيب رسلى ، جاءهم إنكارى بالتدمير ، فكيف كان إنكارى عليهم بالتدمير والإهلاك ؟ لقد كان شيئا هائلا فظيعا تركهم فى ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ، فعلى قومك أن يحذروا من أن يصيبهم مثله .

وجعل - سبحانه - التدمير إنكارا ، تنزيلا للفعل منزلة القول ، كما فى قول بعضهم : ونشتم بالأفعال لا بالتكلم .

ويرى بعضهم أن الضمير فى قوله { وَمَا بَلَغُواْ } يعود على الذين من قبلهم ، وفى قوله { آتَيْنَاهُمْ } يعود إلى كفار مكة .

وقد رجح الإِمام الرازى هذا الرأى فقال ما ملخصه : قال المفسرون : معنى الآية : ما بلغ هؤلاء المشركون معشار ما آتينا المتقدمين . . ثم إن الهل أخذ هؤلاء المتقدمين دون أن تنفعهم قوتهم ، لما كذبوا رسلهم ، فكيف حال هؤلاء الضعفاء - وهم قومك .

ثم قال - رحمه الله - : وعندى وجه آخر فى معنى الآية ، وهو أن يقال : وكذب الذين من قبلهم ، وما بلغوا معشار ما آتيناهم ، أى : الذين من قبلهم ما بلغوا معشار ما آتينا قومك من البيان والبرهان .

وذلك لأن كتابك يا محمد أكمل من سائر الكتب .

فإذا كنت قد أنكرت على المتقدمين لما كذبوا رسلهم - مع أنهم لم يؤتوا معشار ما أوتى قومك من البيان - ، فكيف لا أنكر على قومك بعد تكذيبهم لأوضح الكتب ، وأفصح الرسل . .

ويبدو لنا أن المعنى الأول الذى عبر عنه الإِمام الرازى بقوله : قال المفسرون ، هو الأرجح لأنه هو المتبادر من معنى الآية الكريمة ، لأنه يفيد التقليل من شأن مشركى مكة ، بالنسبة لمن سبقهم من الأمم ، من ناحية القوة والغنى .

وفى القرآن الكريم آيات متعددة هذا المعنى ، منها قوله - تعالى - : { أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين مِن قَبْلِهِمْ كانوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُواْ الأرض وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات فَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ ولكن كانوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }

وبعد هذا الحديث عن أقوال المشركين فى شأن الرسول صلى الله عليه وسلم وفى شأن القرآن . . وبعد هذا الرد الملزم لهم والمزهق لباطلهم .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَكَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَمَا بَلَغُواْ مِعۡشَارَ مَآ ءَاتَيۡنَٰهُمۡ فَكَذَّبُواْ رُسُلِيۖ فَكَيۡفَ كَانَ نَكِيرِ} (45)

وقوله : وكَذّبَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يقول : وكذّب الذين من قبلهم من الأمم رسلنا وتنزيلنا وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ يقول : ولم يبلغ قومك يا محمد عُشْر ما أعطينا الذين من قبلهم من الأمم من القوّة والأيدي والبطْش ، وغير ذلك من النعم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما ءاتَيْناهُمْ من القوّة في الدنيا .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما ءاتَيْناهُمْ يقول : ما جاوزوا معشار ما أنعمنا عليهم .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وكَذّبَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما ءاتَيْناهُمْ يخبركم أنه أَعْطَى القوم ما لم يُعْطكم من القوّة وغير ذلك .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما ءاتَيْنَاهُمْ قال : ما بلغ هؤلاء أمة محمد صلى الله عليه وسلم معشار ما آتينا الذين من قبلهم ، وما أعطيناهم من الدنيا ، وبسطنا عليهم فَكَذّبوا رسلي فكَيْفَ كانَ نَكِيرِ يقول : فكذّبوا رسلي فيما أتوهم به من رسالتي ، فعاقبناهم بتغييرنا بهم ما كنا آتيناهم من النعم ، فانظر يا محمد كيف كان نكير . يقول : كيف كان تغييري بهم وعقوبتي .