قوله تعالى : { ومن يرغب عن ملة إبراهيم } . وذلك أن عبد الله بن سلام دعا ابني أخيه سلمة ومهاجراً إلى الإسلام فقال لهما : قد علمتما أن الله عز وجل قال في التوراة : إني باعث من ولد إسماعيل نبياً اسمه أحمد فمن آمن به فقد اهتدى ، ومن لم يؤمن فهو ملعون ، فأسلم سلمة وأبى مهاجر أن يسلم فأنزل الله عز وجل { من يرغب عن ملة إبراهيم } أي يترك دينه وشريعته يقال رغب في الشيء إذا أراده ، ورغب عنه إذا تركه وقوله " من " لفظه استفهام معناه التقريع والتوبيخ يعني : ما يرغب عن ملة إبراهيم .
قوله تعالى : { إلا من سفه نفسه } . قال ابن عباس : من خسر نفسه .
وقال الكلبي : ضل من قبل نفسه ، وقال أبو عبيدة : أهلك نفسه ، وقال ابن كيسان و الزجاج : معناه جهل نفسه . والسفاهة : الجهل وضعف الرأي : وكل سفيه جاهل ، وذلك أن من عبد غير الله فقد جهل نفسه . لأنه لم يعرف أن الله خلقها ، وقد جاء : " من عرف نفسه عرف ربه " وفي الأخبار : " إن الله تعالى أوحى إلى داود اعرف نفسك واعرفني ، فقال : يا رب كيف أعرف نفسي وكيف أعرفك ؟ فأوحى الله تعالى اعرف نفسك بالضعف والعجز والفناء ، واعرفني بالقوة والقدرة والبقاء . وقال الأخفش : معناه سفه في نفسه ، ونفسه على هذا القول نصب بنزع حرف الصفة وقال الفراء : نصب على التفسير ، وكان الأصل سفهت نفسه ، فلما أضاف الفعل إلى صاحبها خرجت النفس المفسرة ليعلم موضع السفه ، كما يقال : ضقت به ذرعاً ، أي ضاق ذرعي به .
قوله تعالى : { ولقد اصطفيناه في الدنيا } . اخترناه في الدنيا .
قوله تعالى : { وإنه في الآخرة لمن الصالحين } . يعني أي مع الأنبياء في الجنة ، وقال الحسين بن الفضل : فيه تقديم وتأخير ، تقديره ولقد اصطفيناه في الدنيا والآخرة وإنه لمن الصالحين .
ولما عظم الله إبراهيم هذا التعظيم ، وأخبر عن صفاته الكاملة قال تعالى :
{ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
أي : ما يرغب { عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ } بعد ما عرف من فضله { إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ } أي : جهلها وامتهنها ، ورضي لها بالدون ، وباعها بصفقة المغبون ، كما أنه لا أرشد وأكمل ، ممن رغب في ملة إبراهيم ، ثم أخبر عن حالته في الدنيا والآخرة فقال : { وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا } أي : اخترناه ووفقناه للأعمال ، التي صار بها من المصطفين الأخيار .
{ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ } الذين لهم أعلى الدرجات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.