بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَمَن يَرۡغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبۡرَٰهِـۧمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفۡسَهُۥۚ وَلَقَدِ ٱصۡطَفَيۡنَٰهُ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَإِنَّهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (130)

قوله تعالى : { وَمَن يَرْغَبُ عَن مِلَّةِ إبراهيم } ، يقول : عن سنته ودينه وهو الإسلام . ويقال لفظه لفظ الاستفهام ، ومعناه التقريع والتوبيخ ، { وَمِنْ } ها هنا بمعنى ( ما ) ، فكأنه يقول : وما يرغب عن دين إبراهيم { إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ } . قال أبو عبيدة : إلا من أهلك نفسه . وقال الأخفش : معناه إلا من سفه من نفسه . هذا كما قال في آية أخرى { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النساء أَوْ أَكْنَنتُمْ في أَنفُسِكُمْ عَلِمَ الله أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ ولكن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النكاح حتى يَبْلُغَ الكتاب أَجَلَهُ واعلموا أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا في أَنفُسِكُمْ فاحذروه واعلموا أَنَّ الله غَفُورٌ حَلِيمٌ } [ البقرة : 235 ] أي على عقدة النكاح . ويقال : إلا من جهل أمر نفسه ، فلا يتفكر فيه ، كما قال في آية أخرى { وفي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } [ الذاريات : 21 ] ، قال الكلبي : ومن يرغب عن دين إبراهيم الإسلام والحج والطواف ، إلا من خسر نفسه .

ثم : { وَلَقَدِ اصطفيناه فِي الدنيا } ، يقول : اخترناه في الدنيا للنبوة والرسالة والإسلام والخلة . { وَإِنَّهُ فِي الآخرة لَمِنَ الصالحين } ، أي في الجنة . ويقال : مع الصالحين في الجنة وهو أفضل الصالحين ما خلا محمداً صلى الله عليه وسلم .