معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَمَن يَرۡغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبۡرَٰهِـۧمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفۡسَهُۥۚ وَلَقَدِ ٱصۡطَفَيۡنَٰهُ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَإِنَّهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (130)

وقوله : { إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ . . . }

العرب توقع سفِه على ( نَفْسه ) وهي مَعْرِفة . وكذلك قوله : { بِطرت معِيشتها } وهي من المعرفة كالنكرة ، لأنه مفسِّر ، والمفسِّر في أكثر الكلام نكرة ؛ كقولك : ضِقت بهِ ذَرْعا ، وقوله : { فَإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شيء مِّنْهُ نَفْساً } فالفعل للذَرْع ؛ لأنك تقول : ضاق ذَرْعا به ، فلما جعلت الضِيق مسنَدا إليك فقلت : ضقت جاء الَّذْرع مفسرا لأن الضيق فيه ؛ كما تقول : هو أوسعكم دارا . دخلتِ الدار لتدلّ على أن السعة فيها لا في الرَّجُل ؛ وكذلك قولهم : قد وَجِعْتَ بَطْنَك ، ووثِقْتَ رأيك - أو - وَفِقْت ، [ قال أبو عبد الله : أكثر ظنِّي وثِقت بالثاء ] إنما الفعل للأمر ، فلما أُسند الفعل إلى الرجُل صلح النصب فيما عاد بذكره على التفسير ؛ ولذلك لا يجوز تقديمه ، فلا يقال : رأيَه سَفِهَ زيدٌ ، كما لا يجور دارا أنت أوسعهم ؛ لأنه وإن كان معرفة فإنه في تأويل نكرة ، ويصيبه النصب في موضع نصب النكرة ولا يجاوزه .