معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّمَا قَوۡلُنَا لِشَيۡءٍ إِذَآ أَرَدۡنَٰهُ أَن نَّقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ} (40)

قوله تعالى : { إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } ، يقول الله تعالى : إذا أردنا أن نبعث الموتى فلا تعب علينا في إحيائهم ، ولا في شيء مما يحدث ، إنما نقول له : كن ، فيكون .

أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي ، أنبانا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي أنبانا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ، حدثنا أحمد بن يوسف السلمي ، حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر ، عن همام بن منبه ، حدثنا أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله : كذبني ابن آدم ، ولم يكن ذلك له ، وشتمني عبدي ولم يكن ذلك له ، فأما تكذيبه إياي أن يقول : لن يعيدنا كما بدأنا ، وأما شتمه إياي أن يقول : اتخذ الله ولداً ، وأنا الصمد ، لم ألد ، ولم أولد ، ولم يكن لي كفواً أحد " .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّمَا قَوۡلُنَا لِشَيۡءٍ إِذَآ أَرَدۡنَٰهُ أَن نَّقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ} (40)

القول في تأويل قوله تعالى { إِنّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * وَالّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوّئَنّهُمْ فِي الدّنْيَا حَسَنَةً وَلأجْرُ الاَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } .

يقول تعالى ذكره : إنا إذا أردنا أن نبعث من يموت فلا تعب علينا ولا نصب في إحيائناهم ، ولا في غير ذلك مما نخلق ونكوّن ونحدث لأنا إذا أردنا خلقه وإنشاءه فإنما نقول له كن فيكون ، لا معاناة فيه ولا كُلفة علينا .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : «يكون » فقرأه أكثر قرّاء الحجاز والعراق على الابتداء ، وعلى أن قوله : إنّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إذَا أرَدْناهُ أنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ كلام تامّ مكتف بنفسه عما بعده ، ثم يبتدأ فيقال : «فيكونُ » ، كما قال الشاعر :

*** يُريدُ أنْ يُعْرِبَهُ فيعجِمُهْ ***

وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل الشام وبعض المتأخرين من قرّاء الكوفيين : «فَيَكُونَ » نصبا ، عطفا على قوله : أنْ نَقُولَ لَهُ . وكأن معنى الكلام على مذهبهم : ما قولنا لشيء إذا أردناه إلاّ أن نقول له : كن ، فيكون . وقد حُكي عن العرب سماعا : أريد أن آتيك فيَمْنَعَني المطر ، عطفا ب «يَمْنَعَني » على «آتيك » .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّمَا قَوۡلُنَا لِشَيۡءٍ إِذَآ أَرَدۡنَٰهُ أَن نَّقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ} (40)

هذه الجملة متّصلة بجملة { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } [ سورة النحل : 38 ] لبيان أنّ جهلهم بمَدى قدرة الله تعالى هو الذي جرّأهم على إنكار البعث واستحالته عندهم ، فهي بيان للجملة التي قبلها ولذلك فُصلت ، ووقعتْ جملة { ليبين لهم الذين يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا } [ سورة النحل : 39 ] إلى آخرها اعتراضاً بين البيان والمبيّن .

والمعنى أنه لا يتوقف تكوين شيء إذا أراده الله إلا على أن تتعلّق قدرته بتكوينه . وليس إحياء الأموات إلا من جملة الأشياء ، وما البعث إلا تكوين ، فما بَعْث الأموات إلا من جملة تكوين الموجودات ، فلا يخرج عن قدرته .

وأفادت { إنّما } قصراً هو قصر وقوع التّكوين على صدور الأمر به ، وهو قصر قلب لإبطال اعتقاد المشركين تعذّر إحياء الموتى ظنّاً منهم أنّه لا يحصل إلا إذا سلمت الأجساد من الفساد كما تقدم آنفاً ، فأريد ب { قولنا لشيء } تكوينُنا شيئاً ، أي تعلّق القدرة بخلق شيء . وأريد بقوله : { إذا أردناه } إذا تعلّقت به الإرادة الإلهية تعلّقاً تنجيزياً ، فإذا كان سبب التكوين ليس زائداً على قول { كن } فقد بطل تعذّر إحياء الموتى . ولذلك كان هذا قصر قلب لإبطال اعتقاد المشركين .

والشيء : أطلق هنا على المعدوم باعتبار إرادة وجوده ، فهو من إطلاق اسم ما يؤول إليه ، أو المرادُ بالشيء مطلق الحقيقة المعلومة وإن كانت معدومة ، وإطلاق الشيء على المعدوم مستعمل .

و { أن نقول له كن } خبر عن { قولنا } .

والمراد بقول { كن } توجّه القدرة إلى إيجاد المقدور . عُبر عن ذلك التوجّه بالقول بالكلام كما عبّر عنه بالأمر في قوله : { إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون } [ سورة يس : 82 ] وشبّه الشيء الممكن حصوله بشخص مأمور ، وشبّه انفعال الممكن لأمْرِ التكوين بامتثال المأمور لأمر الآمر . وكلّ ذلك تقريب للناس بما يعقلون ، وليس هو خطاباً للمعدوم ولا أن للمعدوم سمعاً يعقل به الكلام فيمتثل للآمر .

و ( كَان ) تامة .

وقرأ الجمهور { فيكون } بالرفع أي فهو يكون ، عطفاً على الخبر وهو جملة { أن نقول } . وقرأ ابن عامر والكسائي بالنصب عطفاً على { نقول } ، أي أن نقول له كُن وأن يكون .