معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوۡمِهِۦ لِيُبَيِّنَ لَهُمۡۖ فَيُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (4)

قوله تعالى : { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم } ، بلغتهم ليفهموا عنه . فإن قيل : كيف هذا وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى كافة الخلق ؟ قيل : بعث من العرب بلسانهم ، والناس تبع لهم ، ثم بث الرسل إلى الأطراف يدعونهم إلى الله عز وجل ويترجمون لهم بألسنتهم .

{ فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم * }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوۡمِهِۦ لِيُبَيِّنَ لَهُمۡۖ فَيُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (4)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رّسُولٍ إِلاّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيّنَ لَهُمْ فَيُضِلّ اللّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } .

يقول تعالى ذكره : وما أرسلنا إلى أمة من الأمم يا محمد من قبلك ومن قبل قومك رسولاً إلا بلسان الأمة التي أرسلناه إليها ولغتهم ، ليُبَيّنَ لهم يقول : ليفهمهم ما أرسله الله به إليهم من أمره ونهيه ، ليثبت حجة الله عليهم ، ثم التوفيق والخذلان بيد الله ، فيخذل عن قبول ما أتاه به رسوله من عنده من شاء منهم ، ويوفّق لقبوله من شاء ولذلك رفع «فيُضلّ » ، لأنه أريد به الابتداء لا العطف على ما قبله ، كما قيل : لنُبَيّنَ لَكُمْ ونُقِرّ في الأرْحَامِ ما نَشاءُ ، وهو العزيز الذي لا يمتنع مما أراده من ضلال أو هداية من أراد ذلك به ، والحكيم في توفيقه للإيمان من وفقه له وهدايته له من هداه إليه ، وفي إضلاله من أضلّ عنه ، وفي غير ذلك من تدبيره .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَما أرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إلاّ بِلِسان قَوْمِهِ : أي بلغة قومه ما كانت ، قال الله عزّ وجلّ : ليُبَيّنَ لَهُمْ الذي أرسل إليهم ليتخذ بذلك الحجة ، قال الله عزّ وجلّ : فَيُضِلّ اللّهُ مَنْ يَشاءُ ويَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوۡمِهِۦ لِيُبَيِّنَ لَهُمۡۖ فَيُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (4)

هذه الآية طعن ورد على المستغربين أمر محمد عليه السلام ، أي لست يا محمد ببدع من الرسل ، وإنما أرسلناك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور على عادتنا في رسلنا ، في أن نبعثهم بألسنة أممهم ليقع البيان والعبارة المتمكنة ، ثم يكون سائر الناس من غير أهل اللسان عيالاً في التبيين على أهل اللسان الذي يكون للنبي ، وجعل الله العلة في إرسال الرسل بألسنة قومهم طلب البيان ثم قطع{[7001]} قوله : { فيضل } أي إن النبي إنما غايته أن يبلغ ويبين ، وليس فيما كلف أن يهدي ويضل ، بل ذلك بيد الله ينفذ فيه سابق قضائه ، وله في ذلك العزة التي لا تعارض ، والحكمة التي لا تعلل ، لا رب غيره .

قال القاضي أبو محمد : فإن اعترض أعجمي بأن يقول : من أين يبين لي هذا الرسول الشريعة وأنا لا أفهمه ؟ قيل له : أهل المعرفة باللسان يعبرون ذلك ، وفي ذلك كفايتك .

فإن قال : ومن أين تتبين لي المعجزة وأفهم الإعجاز وأنا لا أفقه اللغة ؟ قيل له : الحجة عليك إذعان أهل الفصاحة والذين كانوا يظن بهم أنهم قادرون على المعارضة وبإذعانهم قامت الحجة على البشر ، كما قامت الحجة في معجزة موسى بإذعان السحرة ، وفي معجزة عيسى بإذعان الأطباء .

و «اللسان » في هذه الآية يراد به اللغة{[7002]} .

وقرأ أبو السمال «بلسْن » بسكون السين دون ألف - كريش ورياش - ويقال : لسن ولسان في اللغة ، فأما العضو فلا يقال فيه لسن - بسكون السين{[7003]} .


[7001]:اي أن النية الاستئناف لا العطف ولذلك رفع الفعل في [فيضل] ، و مثله قوله تبارك وتعالى: {لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء}، قال الفراء: "إذا رأيت الفعل منصوبا وبعده فعل قد نسق عليه بواو أو فاء أو ثم أو أو فإن كان يشاكل معنى الفعل الذي قبله نسقته عليه، وإن رأيته غير مشاكل لمعناه استأنفته فرفعته".
[7002]:ومنه قول الشاعر: * أتتني لسان بني عامر* يعنى لغة بني عامر، وقد ذهب بها إلى الكلمة فأنثها، وقال أعشى باهلة: * إني أتاني لسان لا أسر به * ذهب إلى الخبر فذكره.
[7003]:وقرأ أبو رجاء، وأبو المتوكل، و الجحدري: [لسن] بضم اللام والسين، وهو جمع لسان كعماد و عمد، وقرىء أيضا بضم اللام وسكون السين، كرسل ورسل.