الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوۡمِهِۦ لِيُبَيِّنَ لَهُمۡۖ فَيُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (4)

قوله تعالى : " وما أرسلنا من رسول " أي قبلك يا محمد " إلا بلسان قومه " أي بلغتهم ، ليبينوا لهم أمر دينهم ، ووحد اللسان وإن أضافه إلى القوم لأن المراد اللغة ، فهي اسم جنس يقع على القليل والكثير ، ولا حجة للعجم وغيرهم في هذه الآية ؛ لأن كل من ترجم له ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ترجمة يفهمها لزمته الحجة ، وقد قال الله تعالى : " وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا{[9447]} " [ سبأ : 28 ] . وقال صلى الله عليه وسلم : ( أرسل كل نبي إلى أمته بلسانها وأرسلني الله إلى كل أحمر وأسود من خلقه ) . وقال صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار ) . خرجه مسلم ، وقد تقدم . " فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء " رد على القدرية في نفوذ المشيئة ، وهو مستأنف ، وليس بمعطوف على " ليبين " لأن الإرسال إنما وقع للتبيين لا للإضلال .

ويجوز النصب في " يضل " لأن الإرسال صار سببا للإضلال ، فيكون كقوله : " ليكون لهم عدوا وحزنا{[9448]} " [ القصص : 8 ] وإنما صار الإرسال سببا للإضلال لأنهم كفروا به لما جاءهم ، فصار كأنه سبب لكفرهم " وهو العزيز الحكيم " تقدم معناه .


[9447]:راجع ج 14 ص 300.
[9448]:راجع ج 13 ص 252.