تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوۡمِهِۦ لِيُبَيِّنَ لَهُمۡۖ فَيُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (4)

الآية 4 : وقوله تعالى : { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه } لو كان غيره من الكتاب أرسل{[9414]} بغير لسان الأمم لكان هذا الكتاب يجب أن يكون مبعوثا بلسان قومه لأنه جعل هذا الكتاب حجة وآية لرسالته لأنهم يعجزون عن إتيان مثله ، هو كان بلسانهم ليعلموا أنه [ جاء من الله ]{[9415]} إذ لو كان من اختراع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لقدروا على اختراع مثله ، لأن لسانهم مثل لسانه ، فإذا عجزوا عن إتيان مثله دل أنه منزل من الله تعالى ، لا من عند الخلق .

ثم يحتمل قوله : { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه } وجوها :

[ أحدها : ما{[9416]} ] قال قائلون : هذا بعد ما اختلف الألسن أرسل هذا ، وفيه أنباء أوائلهم الذين كان لسانهم غير لسان هؤلاء ، وأخبارهمَ{[9417]} ليعلموا أنه إنما عرف تلك الأنباء والأخبار{[9418]} التي كانت بغير لسانهم بالله .

[ والثاني : ما ]{[9419]} قال بعضهم : أرسل بلسان قومه لئلا يكون لهم مقال كقولهم{[9420]} : { لولا فصلت آياته } [ فصلت : 44 ] .

والثالث : أنه إذا كان بلسانهم يكون آلف وأقرب إلى القبول من إذا كان بغيره ؛ إذ كل ذي نوع وجنس يكون بجنسه ونوعه آلف من غير نوعه وجوهره كقوله عز وجل : { ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا } [ الأنعام : 9 ] إذ ليس في وسع البشر رؤية الملك والنظر إليه على ما هو عليه .

فعلى ذلك كل ذي لسان يكون بلسانه أفهم وأقرب للقبول وآلف من غيره .

وقوله تعالى : { ليبين لهم } قال قائلون : ليكون أبين لهم وأفهم ، وقال قائلون : { ليبين لهم } فيفهمون قول رسولهم .

وقوله تعالى : { ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء } أي{[9421]} يضل الله من آثر سبب الضلال ، { ويهدي من يشاء } من آثر سبب الذي به يٌهتدى [ يهده إليه ]{[9422]} . وقال قائلون : { فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء } هذا حكم الله أن يضل المكذبين ، ويهدي المصدقين .

لكن الوجه فيه ما ذكرنا بدءا : أنه يضل من آثر سبب الضلال{ ويهدي من يشاء } هذا حكم الله أن يضل المكذبين ، ويهدي المصدقين ، أي من آثر سبب الاهتداء { وهو العزيز الحكيم } لأن جميع الخلائق مفتقرون إليه ، أذلاء ، به يعز من عز ، أو أن يكون العزيز هو الذي لا يٌغلب .

والحكيم : هو الذي لا يلحقه الخطأ في الحكم والتدبير ، أو الحكم في بعث الرسل ، وفي جميع فعله ، ولم يؤخذ عليه في فعله خطأ قط ، مصيب في وضع كل شيء موضعه .


[9414]:في الأصل وم: أرسلت
[9415]:من م، في الأصل: لمن الله جاء.
[9416]:ساقطة من الأصل وم.
[9417]:في الأصل وم: واختارهم.
[9418]:في الأصل وم: والأخبار.
[9419]:في الأصل وم: و.
[9420]:في الأصل: قوله، في م: لقوله.
[9421]:من م: في الأصل: أن.
[9422]:في الأصل وم: يهدي ذلك.