ثم لمّا منّ على المكلفين بإنزال الكتاب وإرسال الرسول ذكر من كمال تلك النعمة أن ذلك المرسل بلسان قومه فقال : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ } أي : متلبساً بلسانهم ، متكلماً بلغتهم ؛ لأنه إذا كان كذلك فهم عنه المرسل إليهم ما يقوله لهم وسهل عليهم ذلك بخلاف ما لو كان بلسان غيرهم فإنهم لا يدرون ما يقول ، ولا يفهمون ما يخاطبهم به ، حتى يتعلموا ذلك اللسان دهراً طويلاً ، ومع ذلك فلا بدّ أن يصعب عليهم فهم ذلك بعض صعوبة ؛ ولهذا علل سبحانه ما امتن به على العباد بقوله : { لِيُبَيّنَ لَهُمُ } أي : ليوضح لهم ما أمرهم الله به من الشريعة التي شرعها لهم ووحد اللسان لأن المراد بها اللغة . وقد قيل : في هذه الآية إشكال ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إلى الناس جميعاً ، بل إلى الجنّ والإنس ولغاتهم متباينة وألسنتهم مختلفة . وأجيب بأنه وإن كان صلى الله عليه وسلم مرسلاً إلى الثقلين كما مرّ لكن لما كان قومه العرب ، وكانوا أخصّ به وأقرب إليه كان إرساله بلسانهم أولى من إرساله بلسان غيرهم ، وهم يبينونه لمن كان على غير لسانهم ، ويوضحونه حتى يصير فإهماً له كفهمهم إياه ، ولو نزل القرآن بجميع لغات من أرسل إليهم ، وبينه رسول الله لكل قوم بلسانهم لكان ذلك مظنة للاختلاف وفتحاً لباب التنازع ؛ لأن كل أمة قد تدّعي من المعاني في لسانها ما لا يعرفه غيرها ، وربما كان ذلك أيضاً مفضياً إلى التحريف والتصحيف بسبب الدعاوي الباطلة التي يقع فيها المتعصبون . وجملة { فَيُضِلُّ الله مَن يَشَاء وَيَهْدِى مَن يَشَاء } مستأنفة أي : يضلّ من يشاء إضلاله ويهدي من يشاء هدايته . قال الفراء : إذا ذكر فعل وبعده فعل آخر فإن لم يكن النسق مشاكلاً للأوّل فالرفع على الاستئناف هو الوجه ، فيكون معنى هذه الآية : وما أرسلنا من رسول إلاّ بلسان قومه ليبين لهم تلك الشرائع باللغة التي ألفوها وفهموها ، ومع ذلك فإن المضلّ والهادي هو ، الله عزّ وجلّ ، والبيان لا يوجب حصول الهداية إلاّ إذا جعله الله سبحانه واسطة وسبباً ، وتقديم الإضلال على الهداية لأنه متقدّم عليها ، إذ هو إبقاء على الأصل ، والهداية إنشاء ما لم يكن { وَهُوَ العزيز } الذي لا يغالبه مغالب { الحكيم } الذي يجري أفعاله على مقتضى الحكمة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.