السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوۡمِهِۦ لِيُبَيِّنَ لَهُمۡۖ فَيُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (4)

ثم ذكر ما يجري مجرى تكميل النعمة والإحسان في الوجهين بقوله تعالى : { وما أرسلنا من رسول } ، أي : في زمن من الأزمان { إلا بلسان } ، أي : لغة { قومه } أمّا بالنسبة إلى الرسول ؛ فلأنه تعالى بين أنّ سائر الأنبياء كانوا مبعوثين إلى قومهم خاصة ، وأما أنت يا محمد فمبعوث إلى عامة البشر ، وكان هذا الإنعام في حقك أكمل وأفضل ، وأمّا بالنسبة إلى عامّة الخلق ، فهو أنه تعالى ذكر أنه ما بعث رسولاً إلا بلسان أولئك القوم

{ ليبين لهم } ما أمروا به فيفهموه عنه بيسر وسرعة ؛ لأنّ ذلك أسهل لفهم أسرار تلك الشريعة ، والوقوف على حقائقها وأبعد عن الغلط والخطأ .

تنبيه : تمسك طائفة من اليهود يقال لهم العيسوية بهذه الآية على أن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يرسل لغير العرب من وجهين :

الأوّل : أن القرآن لما كان نازلاً بلغة العرب لم يعرف كونه معجزة بسبب ما فيه من الفصاحة إلا العرب ، وحينئذ لا يكون القرآن حجة إلا عليهم .

الثاني : أنّ قوله تعالى : { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه } [ إبراهيم ، 4 ] المراد بذلك اللسان لسان العرب ، وذلك يدل على أنه مبعوث إلى العرب فقط .

وردّ عليهم بأنّ المراد بالقوم أهل دعوته والدليل على عموم الدعوة قوله تعالى : { قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً } [ الأعراف ، 158 ] بل إلى الثقلين ؛ لأنّ التحدي كما وقع مع الإنس وقع مع الجنّ بدليل قوله تعالى : { قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً } [ الإسراء ، 88 ] .

ثم بيّن سبحانه وتعالى أنّ الإضلال والهداية بمشيئته بقوله تعالى : { فيضل الله من يشاء } إضلاله { ويهدي من يشاء } هدايته ، فإنه تعالى هو المضل الهادي ، وليس على الرسل إلا التبليغ والبيان والله تعالى هو الهادي المضل يفعل ما يشاء { وهو العزيز } في ملكه ، فلا رادّ له عن مشيئته { الحكيم } في صنعه فلا يهدي ولا يضل إلا لحكمة .