معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالَ أَرَءَيۡتَ إِذۡ أَوَيۡنَآ إِلَى ٱلصَّخۡرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلۡحُوتَ وَمَآ أَنسَىٰنِيهُ إِلَّا ٱلشَّيۡطَٰنُ أَنۡ أَذۡكُرَهُۥۚ وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُۥ فِي ٱلۡبَحۡرِ عَجَبٗا} (63)

قوله تعالى : { قال } له فتاه وتذكر { أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة } ، وهي صخرة كانت بالموضع الموعود ، قال هقل بن زياد : هي الصخرة التي دون نهر الزيت ، { فإني نسيت الحوت } أي : تركته وفقدته ، وذلك أن يوشع حين رأى ذلك من الحوت قام ليدرك موسى فيخبره ، فنسي أن يخبره ، فمكثا يومهما حتى صليا الظهر من الغد . قيل في الآية إضمار ، معناه : نسيت أن أذكر لك أمر الحوت ، ثم قال : { وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره } أي : وما أنساني أن أذكر لك أمر الحوت إلا الشيطان ، وقرأ حفص : { أنسانيه } وفي الفتح : عليه الله بضم الهاء . وقيل : معناه أنسانيه لئلا أذكره . { واتخذ سبيله في البحر عجبا } قيل : هذا من قول يوشع ويقول : طفر الحوت إلى البحر فاتخذ فيه مسلكا فعجبت من ذلك عجبا . وروينا في الخبر : كان للحوت سرباً ولموسى وفتاه عجباً . وقيل : هذا من قول موسى لما قال له يوشع واتخذ سبيله في البحر ، قال له موسى : عجباً ، كأنه قال : أعجب عجباً . قال ابن زيد : أي شيء أعجب من حوت يؤكل منه جهراً ، ثم صار حياً بعدما أكل بعضه ؟

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ أَرَءَيۡتَ إِذۡ أَوَيۡنَآ إِلَى ٱلصَّخۡرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلۡحُوتَ وَمَآ أَنسَىٰنِيهُ إِلَّا ٱلشَّيۡطَٰنُ أَنۡ أَذۡكُرَهُۥۚ وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُۥ فِي ٱلۡبَحۡرِ عَجَبٗا} (63)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى الصّخْرَةِ فَإِنّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاّ الشّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً } .

يقول تعالى ذكره : قال فتى موسى لموسى حين قال له : آتنا غداءنا لنطعم : أرأيت إذا أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت هنالك وَما أنْسانيهُ إلاّ الشّيْطانُ يقول : وما أنساني الحوت إلا الشيطان أنْ أذْكُرَهُ فأن في موضع نصب ردّا على الحوت ، لأن معنى الكلام : وما أنساني أن أذكر الحوت إلا الشيطان سبق الحوت إلى الفعل ، وردّ عليه قوله أنْ أذْكُرَهُ وقد ذكر أن ذلك في مصحف عبد الله : «وما أنسانيه أن أذكره إلا الشيطان » .

حدثني بذلك بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة حدثني العباس بن الوليد قال : سمعت محمد بن معقل ، يحدّث عن أبيه ، أن الصخرة التي أوى إليها موسى هي الصخرة التي دون نهر الذئب على الطريق .

واتّخَذَ سَبِيلَهُ فِي البَحْرِ عَجَبا يُعْجَبُ منه . كما :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : فِي البَحْرِ عَجَبا قال : موسى يعجب من أثر الحوت في البحر ودوراته التي غاب فيها ، فوجد عندها خضرا .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : واتّخَذَ سَبيلَهُ فِي البَحْرِ عَجَبا فكان موسى لما اتخذ سبيله في البحر عجبا ، يعجب من سرب الحوت .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : واتّخَذَ سَبِيلَهُ في البَحْرِ عَجَبا قال : عجب والله حوت كان يؤكل منه أدهرا ، أيّ شيء أعجب من حوت كان دهرا من الدهور يؤكل منه ، ثم صار حيا حتى حشر في البحر .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : جعل الحوت لا يمسّ شيئا من البحر إلا يبس حتى يكون صخرة ، فجعل نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يعجب من ذلك .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا الحسن بن عطية ، قال : حدثنا عمرو بن ثابت ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس واتّخَذَ سَبِيلَهُ فِي البَحْرِ عَجَبا قال : يعني كان سرب الحوت في البحر لموسى عجبا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالَ أَرَءَيۡتَ إِذۡ أَوَيۡنَآ إِلَى ٱلصَّخۡرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلۡحُوتَ وَمَآ أَنسَىٰنِيهُ إِلَّا ٱلشَّيۡطَٰنُ أَنۡ أَذۡكُرَهُۥۚ وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُۥ فِي ٱلۡبَحۡرِ عَجَبٗا} (63)

{ قال أرأيت إذ أوينا } أرأيت ما دهاني إذ أوينا . { إلى الصخرة } يعني الصخرة التي رقد عندها موسى . وقيل هي الصخرة التي دون نهر الزيت . { فإني نسيت الحوت } فقدته أو نسيت ذكره بما رأيت منه . { وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره } أي وما أنساني ذكره إلا الشيطان فإن { أن أذكره } بدل من الضمير ، وقرئ " أن أذكركه " . وهو اعتذار عن نسيانه بشغل الشيطان له بوساوسه ، والحال وإن كانت عجيبة لا ينسى مثلها لكنه لما ضرى بمشاهدة أمثالها عند موسى وألفها قل اهتمامه بها ، ولعله نسي ذلك لاستغراقه في الاستبصار وإنجاب شراشره إلى جناب القدس بما عراه من مشاهدة الآيات الباهرة ، وإنما نسبه إلى الشيطان هضما لنفسه أو لأن عدم احتمال القوة للجانبين واشتغالها بإحداهما عن الآخر يعد من نقصان . { واتخذ سبيله في البحر عجبا } سبيلا عجبا وهو كونه كالسرب أو اتخاذا عجبا ، والمفعول الثاني هو الظرف وقيل هو مصدر فعله المضمر أي قال في آخر كلامه ، أو موسى في جوابه عجبا تعجبا من تلك الحال . وقيل الفعل لموسى أي اتخذ موسى سبيل الحوت في البحر عجبا .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ أَرَءَيۡتَ إِذۡ أَوَيۡنَآ إِلَى ٱلصَّخۡرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلۡحُوتَ وَمَآ أَنسَىٰنِيهُ إِلَّا ٱلشَّيۡطَٰنُ أَنۡ أَذۡكُرَهُۥۚ وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُۥ فِي ٱلۡبَحۡرِ عَجَبٗا} (63)

قوله : { نسيت الحوت } أي نسيت حفظه وافتقاده ، أي فانفلت في البحر .

وقوله : { وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره } . هذا نسيان آخر غير النسيان الأول ، فهذا نسيان ذكر الإخبار عنه .

وقرأ حفص عن عاصم { وما أنسانيه } بضم هاء الضمير على أصل الضمير وهي لغة . والكسر أشهر لأن حركة الكسرة بعد الياء أخف .

و { أن أذكره } بدل اشتمال من ضمير { أنسانيه } لا من الحوت ، والمعنى : ما أنساني أن أذكره لك إلا الشيطان . فالذكر هنا ذكر اللسان .

ووجه حصره إسناد هذا الإنساء إلى الشيطان أن ما حصل له من نسيان أن يخبر موسى بتلك الحادثة نسيان ليس من شأنه أن يقع في زمن قريب مع شدة الاهتمام بالأمر المنسي وشدة عنايته بإخبار نبيئه به . ومع كون المنسي أعجوبة شأنها أن لا تنسى يتعين أن الشيطان ألهاه بأشياء عن أن يتذكر ذلك الحادث العجيب وعلم يوشع أن الشيطان يَسوءه التقاء هذين العبدين الصالحين ، وما له من الأثر في بث العلوم الصالحة فهو يصرف عنها ولو بتأخير وقوعها طمعاً في حدوث العوائق .

وجملة { واتخذ سبيله في البحر } عطف على جملة { فإني نسيت الحوت } وهي بقية كلام فتى موسى ، أي وأنه اتخذ سبيله في البحر ، أي سبح في البحر بعد أن كان ميتاً زمناً طويلاً .

وقوله : { عجباً } جملة مستأنفة ، وهي من حكاية قول الفتى ، أي أعجبُ له عجباً ، فانتصب على المفعول المطلق الآتي بدلاً من فعله .