المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{قَالَ أَرَءَيۡتَ إِذۡ أَوَيۡنَآ إِلَى ٱلصَّخۡرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلۡحُوتَ وَمَآ أَنسَىٰنِيهُ إِلَّا ٱلشَّيۡطَٰنُ أَنۡ أَذۡكُرَهُۥۚ وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُۥ فِي ٱلۡبَحۡرِ عَجَبٗا} (63)

وقوله { أرأيت } الآية حكى الطبري عن فرقة أنهة قالت الصخرة هي الشام عند نهر الذيب ، وقد تقدم ذكر الخلاف في موضع هذه القصة ، وقوله { نسيت الحوت } يريد نسيت ذكر ما جرى فيه لك ، وأما الكسائي وحده «أنسانيه » ، وقرأت فرقة «أنسانيه » وقرأ ابن كثير في الوصل «أنسانيهي » بياء بعد الهاء ، وفي مصحف عبد الله بن مسعود «وما أنسانيه أن أذكركه إلا الشيطان » .

وقوله { أن أذكره } بدل من { الحوت } بدل اشتمال ، وقوله { واتخذ سبيله في البحر عجباً } يحتمل أن يكون من قول يوشع لموسى أي اتخذ الحوت سبيله عجباً للناس ، ويحتمل أن يكون قوله { واتخذ سبيله في البحر } تام الخبر ، فاستأنف التعجب فقال من قبل نفسه : { عجباً } لهذا الأمر ، وموضع العجب أن يكون حوت قد مات وأكل شقه الأيسر ثم حيي بعد ذلك ، قال أبو شجاع في كتاب الطبري رأيته ، أتيت به فإذا هو شقة حوت ، وعين واحدة وشق آخر ليس فيه شيء .

قال القاضي أبو محمد : وأنا رأيته والشق الذي فيه شيء عليه قشرة رقيقة يشق تحتها شوكة وشقه الآخر ، ويحتمل أن يكون قوله { واتخذ سبيله } الآية إخبار من الله تعالى ، وذلك على وجهين : إما أن يخبر عن موسى أنه اتخذ سبيل الحوت من البحر عجباً أي تعجب منه ، وإما أن يخبر عن الحوت أنه اتخذ سبيله عجباً للناس ، وقرأ أبو حيوة «واتخاذ سبيله » فهذا مصدر معطوف على الضمير في { أذكره } .