الآية63 : وقوله تعالى : { قال أرأيت إذا أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره } وفي حرف ابن مسعود : أن أذكر له . قال الحسن : لم يكون نسيه ، ولكن تركه متعمدا مُضَيّعًا . وإنما أضاف إلى الشيطان ؛ يقول : إن الشيطان هو الذي حملني ( على ذلك ){[11720]} حتى تَرَكْتُ ذِكْرَهُ لك .
وكذلك يقول{[11721]} في قوله تعالى في قصة آدم : { فنسي } ( طه : 115 ) أي ضيع أمره ، وتركه . ونحوه من المحال لأنه{[11722]} لا يحتمل أن يترك ذكره{[11723]} عمدا . والشيطان إنما يسعى بالحيلولة في مثل هذا في أمر الدين وفي النعم إذا كثرت ، واتسعت على إنسان ، فيسعى في مثله .
وقوله تعالى : { واتخذ سبيله في البحر عجبا } قال بعضهم : عجب موسى من الفتى أن كيف ينسى أن يذكره ، وقد احتاج إلى أن يتحمل مؤنة عظيمة في حمله ، وقال بعضهم : عجب موسى منه حين يبس له الماء وأثره فيه ، والله أعلم ، ثم ذكر موسى بخبر الحوت ، وما صنع ، فقال : { ذلك ما كنا نبغ } أني نطلب من حاجاتنا من الظفر بذلك الرجل ، يقول ذلك لفتاه .
أحدهما : أن يلزم الإنسان طلب العلم واقتباسه ؛ إذ كان به وبالناس حاجة إليه ، وإن بعدت الشقة ، ونأى الموضع حين{[11724]} قال موسى : { لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضى حقبا } ( الكهف : 60 ) .
والثاني{[11725]} : أن لا بأس لاثنين أن يسافرا ؛ إذ لا كل واحد واثنين يكونان شيطانين على ما ذكر في بعض الأخبار أن الواحد شيطان ، والاثنين شيطانان ، ولكن واحدا{[11726]} دون واحد ، واثنين دون اثنين .
والثالث{[11727]} : أنه لا يسافر إلا بالزاد ، إذ{[11728]} تزود موسى والفتى بالحوت{[11729]} الذي ذكر حين خرجا إلى حيث أمر موسى أن يخرج في مجمع البحرين .
فأما أهل التأويل فإنهم قالوا جميعا : إنه أُمِرَ موسى أن يأتي الخضر ليتعلم منه العلم ، ولكن ليس في القرآن ذكر للخضر ، إنما فيه ذكر عبد من عباده حين{[11730]} قال : { فوجدا عبدا من عبادنا } ( الكهف : 65 ) .
والرابع{[11731]} : أن الثنيا إنما يلزم في كل فعل مستقبل مما يشك فيه ، ويرتاب . فأما ما كان سبيل معرفته الوحي واليقين فإنه لا يستثني فيه : حين{[11732]} قال موسى لفتاه : { لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا } ( الكهف : 60 ) قال ذلك من غير ثنيا لأنه عز و جل ( أمره ){[11733]} أن يأتيه . ولا يحتمل أن يؤمر بالإتيان في مكان ، ثم هو يشك أنه لعله لا يأتيه . لذلك قطع القول فيه .
وكذلك قول ذلك العبد الصالح لموسى : { إنك لن تستطيع معي صبرا }( الكهف : 67 ) قطع القول فيه من غير ثنيا لأنه علم بالوحي أنه لا يصبر على ما يرى منه .
وأما موسى فإنه قد استثنى في ما وعد أنه يصبر لأنه أضاف إلى حادث من الأوقات على الشك منه أن يصبر ، أو لا يصبر ، وعلى الارتياب على اليقين . فقال : { ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصى لك أمرا } ( الكهف : 69 ) مما ذكرنا .
والخامس{[11734]} : أن الرجل إذا اختلف إلى عالم يقتبس منه العلم ، ويتعلم منه ، فرأى منه مناكير ومظالم تلزمه أن يفارقه{[11735]} ، ولا يتعلم ( منه العلم ){[11736]} كصنيع موسى بصاحبه لما رأى من خرق السفينة وقتل الغلام وغيره مما كان منكرا وظلما في الظاهر ، وإن كان ما فعل ، هو فعل الأمر ، كره موسى صحبته ، وندم على ذلك أشد الندامة ، حتى جعله على علم من ذلك كله .
فهكذا الواجب على الرجل إذا رأى مناكير من الذي يأخذ منه العلم ومظالم أن يفارقه ، ولا يأخذ من علمه ، والله أعلم .
وفي قوله تعالى : { ستجدني إن شاء الله صابرا } دلالة أن الاختيار والمستحب في الثنيا أن يكون في ابتداء الكلام ، لأن موسى ابتدأ به . وكذلك قوله : { وإنا إن شاء الله لمهتدون } ( البقرة : 70 ) فإذا تركه في أول كلامه ، أو نسي ، يستثني في آخره ، فيعمل عمله في دفع الخُلف في الوعد والكذب . وعلى هذا تَأَوَّلَ بعض الناس قوله : { واذكر ربك إذا نسيت } ( الكهف : 23 ) أي استثن في آخره إذا نسيت في أول كلامك ، والله أعلم .
ثم هذه القصص والأنباء التي ذُكِرَت لرسول الله صلى الله عليه وسلم على إثر سؤال كان منهم على ما ذكرنا في قصة أصحاب الكهف وغيرها من القصص ، أو على غير سؤال . ولكن كانت في كتبهم ، فذكرت{[11737]} له ليُعْلَم أنه إنما عرف ذلك بالله تعالى .
ثم اختلف أهل التأويل في السبب الذي أمر موسى عليه السلام على طلب العلم من عند ذلك الرجل وبعثه إليه .
قال بعضهم : ذلك أن موسى ، قام خطيبا في قومه ، فخطب خطبة ، لم يخطب قط مثلها ، فأعجبه ذلك ، فوقع عنده أن ليس أحد أعلم منه ، فأخبر أن في مجمع البحرين رجلا أعلم منك ، فأمر بالمصير إليه والتعلم منه .
وقال بعضهم : لا ، ولكن موسى قد أعطي التوراة ، وفيها علوم كثيرة ، فظن انه ليس أحد أعلم منه ، فأخبر أن في مجمع البحرين عبدا من عبادنا أعلم منك ، فأمر بالمصير إليه والتعلم منه .
فإن كان على ما ذكر أهل التأويل من السبب ، فيُخَرَّجُ الأمر بالمصير إليه والتعلم منه مُخرج العقوبة له والعتاب لما خطر بباله ، ووقع في وهمه ما وقع .
وجائز أن يكون الأمر له بالمصير إليه والتعلم منه ابتداء محنة من الله تعالى إياه بتعلم العلم من غير سبب كان ( من ){[11738]} موسى على ما يؤمر المرء بتعلم العلم ابتداء من غير سبب محنة من الله يمتحنه بها ، نحو ما أمر موسى بالمصير إلى طور سيناء ، وأُعطِي هنالك التوراة في الألواح على غير سبب كان منه . ولكن ابتداء محنة يمتحنه بها{[11739]} . فعلى ذلك يحتمل أمره له بالمصير إلى ما أمر والتعلم منه ابتداء/320-أحنة ، امتحنه بها .
وقول أهل التأويل : إن صاحب موسى الذي أمر موسى بالمصير إليه والتعلم منه الخُضْرُ ، وفتاه الذي كان يصحبه ، ويتبعه ، يُوشَعُ بن نون . فذلك لا يعلم إلى بالسمع والخبر عمن يوحي إليه ، فيعلمه بالوحي .
وأما من أخبر ذلك ، وقاله لا عن وحي فلا يعلم ذلك ، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة . إنما الحاجة إلى ما أودع فيه من أنواع الحكمة والعلوم .
وأما ما ذكروا أنه فلان ، وأنه كان في موضع كذا في البحر ، وأن موسى قال ( له ){[11740]} كذا ، وهو قال لموسى كذا ، فإن سبيل معرفة ذلك السمع . فإن ثبت السمع فيه ، وإلا لم يجب أن يُذْكَرَ فيه أكثر مما ذكر في الكتاب لأن هذه الأنباء والقصص التي ذكرت في القرآن إنما ذُكِرَتْ لتكون آية لرسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
فلو قيل فيها ما لم يُذْكَر في كتبهم من الزيادة والنقصان لكان ذلك سببا لإكذابه لا تصديقه على ما يدعو{[11741]} من الرسالة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.