{ قَالَ } أي فتاه عليه السلام : { أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصخرة } أي التجأنا إليها وأقمنا عندها . وذكرُ الإِواءِ إليها مع أن المذكور فيما سبق مرتين بلوغُ مجمعِ البحرين لزيادة تعيينِ محلِّ الحادثة ، فإن المجمَع محلٌ متسعٌ لا يمكن تحقيقُ المراد المذكور بنسبة الحادثةِ إليه ولتمهيد العذر فإن الإِواءَ إليها والنومَ عندها مما يؤدي إلى النسيان عادة ، والرؤيةُ مستعارةٌ للمعرفة التامة والمشاهدة الكاملةِ ، ومرادُه بالاستفهام تعجيبُ موسى عليه السلام مما اعتراه هناك من النسيان مع كون ما شاهده من العظائم التي لا تكاد تنسى ، وقد جُعل فقدانُه علامةً لوجدان المطلوب وهذا أسلوبٌ معتادٌ فيما بين الناس ، يقول أحدهم لصاحبه إذا نابه خطب : أرأيتَ ما نابني ؟ يريد بذلك تهويلَه وتعجيبَ صاحبه منه وأنه مما لا يعهد وقوعُه لا استخبارُه عن ذلك كما قيل ، والمفعولُ محذوفٌ اعتماداً على ما يدل عليه من قوله عز وجل : { فإني نَسِيتُ الحوت } وفيه تأكيدٌ للتعجيب وتربيةٌ لاستعظام المنسيِّ ، وإيقاعُ النسيان على اسم الحوتِ دون ضمير الغَداءِ مع أنه المأمورُ بإتيانه للتنبيه من أول الأمر على أنه ليس من قبيل نِسيان المسافرِ زادَه في المنزل وأن ما شاهده ليس من قبيل الأحوالِ المتعلقة بالغداء من حيث هو غَداءٌ وطعامٌ ، بل من حيث هو حوتٌ كسائر الحِيتان مع زيادة أي نسِيتُ أن أذكر لك أمرَه وما شاهدتُ منه من الأمور العجيبة { وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشيطان } بوسوسته الشاغلةِ عن ذلك وقوله تعالى : { أَنْ أَذْكُرَهُ } بدلُ اشتمال من الضمير أي ما أنساني أن أذكرَه لك ، وفي تعليق الإنساء بضمير الحوتِ أولاً وبذكره له ثانياً على طريق الإبدالِ المنبئ عن تنحية المبدَل منه إشارةٌ إلى أن متعلَّقَ النسيان أيضاً ليس نفسَ الحوتِ بل ذكرُ أمره ، وقرئ أن أذكّره ، وإيثارُ أن أذكُرَه على المصدر للمبالغة فإن مدلوله نفسُ الحدث عند وقوعه ، والحالُ وإن كانت غريبةً لا يُعهد نسيانُها لكنه لما تعوّد بمشاهدة أمثالِها عند موسى عليه السلام وألِفَها قل اهتمامه بالمحافظة عليها { واتخذ سَبِيلَهُ في البحر عَجَبًا } بيانٌ لطرف من أمر الحوتِ منبئ عن طرف آخرَ منه ، وما بينهما اعتراضٌ قُدم عليه للاعتناء بالاعتذار ، كأنه قيل : حَيِيَ واضطرب ووقع في البحر واتخذ سبيله فيه سبيلاً عجباً ، فعجباً ثاني مفعولَي اتخَذ والظرفُ حالٌ من أولهما أو ثانيهما ، أو هو المفعولُ الثاني وعجباً صفةُ مصدرٍ محذوفٍ أي اتخاذاً عجبا وهو كونُ مسلَكه كالطاق والسرَب ، أو مصدرُ فعلٍ محذوف أي أتعجب منه عجباً ، وقد قيل : إنه من كلام موسى عليه الصلاة والسلام وليس بذاك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.