فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالَ أَرَءَيۡتَ إِذۡ أَوَيۡنَآ إِلَى ٱلصَّخۡرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلۡحُوتَ وَمَآ أَنسَىٰنِيهُ إِلَّا ٱلشَّيۡطَٰنُ أَنۡ أَذۡكُرَهُۥۚ وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُۥ فِي ٱلۡبَحۡرِ عَجَبٗا} (63)

{ قال } لموسى فتاه { أرأيت } معنى الاستفهام تعجبية لموسى مما وقع له من النسيان هناك مع كون ذلك مما لا يكاد ينسى لأنه قد شاهد أمرا عظيما من قدرة الله الباهرة { إذ أوينا إلى الصخرة } وكانت عند مجمع البحرين الذي هو الموعد وإنما ذكرها دون أن يذكر مجمع البحرين لكونها متضمنة لزيادة تعيين المكان لاحتمال أن يكون المجمع مكانا متسعا يتناول مكان الصخرة وغيره .

{ فإني نسيت الحوت } أي نسيت أن أذكر لك أمره ، وما شاهدت منه من الأمور العجيبة وأوقع النسيان على الحوت دون الغداء الذي تقدم ذكره لبيان أن ذلك الغداء المطلوب هو ذلك الحوت الذي جعلاه زادا لهما وأمارة لوجدان مطلوبهما ، ثم ذكر ما يجري مجرى السبب في وقوع ذلك النسيان فقال : { وما أنسانيه إلا الشيطان } بما يقع منه من الوسوسة { أن أذكره } بدل اشتمال من الضمير في ( أنسانيه ) وفي مصحف عبد الله ( وما أنسانيه أن أذكره إلا الشيطان ) { واتخذ سبيله في البحر عجبا } يحتمل أن يكون هذا من كلام يوشع ، أخبر موسى أن الحوت اتخذ سبيله عجبا للناس ، وموضع التعجب أن يحيا حوت قد مات وأكل شقه ثم يثب إلى البحر ويبقى أثر جريته في الماء لا يمحو أثرها جريان الماء .

ويحتمل أن يكون من كلام الله سبحانه لبيان طرف آخر من أمر الحوت فيكون ما بين الكلامين اعتراضا ، وقال أبو الشجاع في كتاب الطبري : أتيت به فرأيته فإذا هو شقة حوت بعين واحدة وشق آخر ليس فيه شيء من اللحم عليه قشرة رقيقة تحتها الشوك .