قوله تعالى :{ وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا } قال مجاهد : هذا من قول كفار مكة لمن آمن منهم . وقال الكلبي ومقاتل : قاله أبو سفيان لمن آمن من قريش ، اتبعوا سبيلنا : ديننا وملة آبائنا ، ونحن الكفلاء بكل تبعة من الله تصيبكم ، فذلك قوله : { ولنحمل خطاياكم } أوزاركم ، قال الفراء : لفظه أمر ، ومعناه جزاء مجازه : إن اتبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم ، كقوله : { فليلقه اليم بالساحل } وقيل : هو جزم على الأمر ، كأنهم أمروا أنفسهم بذلك ، فأكذبهم الله عز وجل فقال : { وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون } فيما قالوا من حمل خطاياهم .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالَ الّذِينَ كَفَرُواْ لِلّذِينَ آمَنُواْ اتّبِعُواْ سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مّن شَيْءٍ إِنّهُمْ لَكَاذِبُونَ } .
يقول تعالى ذكره : وقال الذين كفروا بالله من قريش للذين آمنوا بالله منهم : اتّبِعُوا سَبِيلَنا يقول : قالوا : كونوا على مثل ما نحن عليه من التكذيب بالبعث بعد الممات وجحود الثواب والعقاب على الأعمال وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ يقول : قالوا فإنكم إن اتبعتم سبيلنا في ذلك ، فبعثتم من بعد الممات ، وجوزيتم على الأعمال ، فإنا نتحمل آثام خطاياكم حينئذٍ . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : اتّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ قال : قول كفار قريش بمكة لمن آمن منهم ، يقول : قالوا : لا نبعث نحن ولا أنتم ، فاتبعونا إن كان عليكم شيء فهو علينا .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَقالَ الّذِينَ كَفَرُوا هم القادة من الكفار ، قالوا لمن آمن من الأتباع : اتركوا دين محمد واتبعوا ديننا ، وهذا أعني قوله اتّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وإن كان خرج مخرج الأمر ، فإن فيه تأويل الجزاء ، ومعناه ما قلت : إن اتبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم ، كما قال الشاعر :
فَقُلْت ادْعِي وأَدْع فإنّ أنْدَى *** لِصَوْتٍ أنْ يُنادِيَ دَاعيانِ
يريد : ادعي ولأدع ، ومعناه : إن دعوت دعوت .
وقوله : وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إنّهُمْ لَكاذِبُونَ وهذا تكذيب من الله للمشركين القائلين للذين آمنوا اتّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ يقول جلّ ثناؤه : وكذبوا في قيلهم ذلك لهم ، ما هم بحاملين من آثام خطاياهم من شيء ، إنهم لكاذبون فيما قالوا لهم ووعدوهم ، من حمل خطاياهم إن هم اتبعوهم .
{ وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا } الذي نسلكه في ديننا . { ولنحمل خطاياكم } إن كان ذلك خطيئة أو إن كان بعث ومؤاخذة ، وإنما أمروا أنفسهم بالحمل عاطفين على أمرهم بالاتباع مبالغة في تعليق الحمل بالاتباع والوعد بتخفيف الأوزار عنهم إن كانت تشجيعا لهم عليه ، وبهذا الاعتبار رد عليهم وكذبهم بقوله : { وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون } من الأولى للتبيين والثانية مزيدة والتقدير : وما هم بحاملين شيئا من خطاياهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.