السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا وَلۡنَحۡمِلۡ خَطَٰيَٰكُمۡ وَمَا هُم بِحَٰمِلِينَ مِنۡ خَطَٰيَٰهُم مِّن شَيۡءٍۖ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ} (12)

ولما بين الفرق الثلاثة وأحوالهم ذكر أن الكافر يدعو من يقول آمنت إلى الكفر بقوله تعالى : { وقال الذين كفروا } أي : ظاهراً وباطناً { للذين آمنوا } أي : ظاهراً وباطناً لم تتحملون الأذى والذل ؟ { اتبعوا سبيلنا } أي : الذي نسلكه في ديننا تدفعوا عن أنفسكم ذلك ، فقالوا : نخاف من عذاب الله تعالى على خطيئة اتباعكم فقالوا لهم اتبعونا { ولنحمل خطاياكم } إن كان ذلك خطيئة أو إن كان بعث ومؤاخذة ، قال الجلال المحلي : والأمر بمعنى الخبر وهو أولى من قول البيضاوي : وإنما أمروا أنفسهم بالحمل عاطفين على أمرهم بالاتباع مبالغة في تعليق الحمل بالاتباع والوعد بتخفيف الأوزار عنهم إن كان تشجيعاً للمؤمنين على الاتباع وبهذا الاعتبار رد عليهم وكذبهم بقوله { وما هم } أي : الكفار { بحاملين من خطاياهم } أي : المؤمنين { من شيء إنهم لكاذبون } في ذلك ، قال الزمخشري : وترى في المتسمين بالإسلام من يستن بأولئك فيقول لصاحبه إذا أراد أن يشجعه على ارتكاب بعض العظائم افعل هذا وإثمه في عنقي وكم من مغرور بمثل هذا الضمان من ضعفة العامة وجهلتهم ؟ ! .

ومنه ما يحكي أن أبا جعفر المنصور رفع إليه بعض أهل الحشو حوائجه فلما قضاها قال يا أمير المؤمنين بقيت الحاجة العظمى قال : وما هي ؟ قال شفاعتك يوم القيامة فقال : له عمرو بن عبيد رحمه الله إياك وهؤلاء فإنهم قطاع الطريق في المأمن ، فإن قيل كيف سماهم الله تعالى كاذبين وإنما ضمنوا شيئاً علم الله تعالى أنهم لا يقدرون على الوفاء به وضامن ما لا يعلم اقتداره على الوفاء به ، لا يسمى كاذباً لا حين ضمن ولا حين عجز لأنه في الحالين لا يدخل تحت حد الكاذب وهو المخبر عن الشيء لا على ما هو عليه ؟ أجيب : بأنّ الله تعالى شبه حالهم حيث علم أن ما ضمنوه لا طريق لهم إلى أن يفوا به فكان ضمانهم عنده لا على ما عليه المضمون بالكاذبين الذين خبرهم لا على ما عليه المخبر عنهم ، ويجوز أن يراد أنهم كاذبون لأنهم قالوا ذلك وقلوبهم على خلافه كالكاذبين الذين يعدون الشيء وفي قلوبهم نية الخلف .

تنبيه : من الأولى : للتبيين ، والثانية : مزيدة ، والتقدير : وما هم بحاملين شيئاً من خطاياهم .