قال مجاهد : كانوا يقولون لمن آمن منهم : لا نبعث نحن ولا أنتم ، فإن كان عليكم شيء فهو علينا .
وقيل : قائل ذلك أبو سفيان بن حرب وأمية بن خلف ، قال لعمران : كان في الإقامة على دين الآباء إثم ، فنحن نحمله عنك ، وقيل : قائل ذلك الوليد بن المغيرة .
قال ابن عطية : وقوله : { ولنحمل } ، أخبر أنهم يحملون خطاياهم على جهة التشبيه بالنقل ، لكنهم أخرجوه في صيغة الأمر ، لأنها أوجب وأشد تأكيداً في نفس السامع من المجازاة ، ومن هذا النوع قول الشاعر :
فقلت ادعى وأدعو فإن أندى *** لصوت أن ينادى داعيان
ولكونه خبراً حسن تكذيبهم فيه .
وقال الزمخشري : أمروهم باتباع سبيلهم ، وهي طريقتهم التي كانوا عليها في دينهم ، وأمروا أنفسهم بحمل خطاياهم ، فحمل الأمر على الأمر وأرادوا ، ليجتمع هذان الأمران في الحصول ، أن يتبعوا سبيلنا وأن نحمل خطاياكم .
والمعنى : تعليق الحمل بالاتباع ، وهذا قول صناديد قريش ، كانوا يقولون لمن آمن منهم : لا نبعث نحن ولا أنتم ، فإن عسى ، كان ذلك فإنا نتحمل عنكم الإثم . انتهى .
وقوله : فإن عسى ، كان تركيب أعجمي لا عربي ، لأن إن الشرطية لا تدخل على عسى ، لأنه فعل جامد ، ولا تدخل أدوات الشرط على الفعل الجامد ؛ وأيضاً فإن عسى لا يليها كان ، واستعمل عسى بغير اسم ولا خبر ، ولم يستعملها تامة .
وقرأ الحسن ، وعيسى ، ونوح القارىء : ولنحمل ، بكسر لام الأمر ؛ ورويت عن علي ، وهي لغة الحسن ، في لام الأمر .
والحمل هنا مجاز ، شبه القيام بما يتحصل من عواقب الإثم بالحمل على الظهر ، والخطايا بالمحمول .
وقال مجاهد : نحمل هنا من الحمالة ، لا من الحمل .
وقرأ الجمهور : { من خطاياهم } .
وقرأ داود بن أبي هند ، فيما ذكر أبو الفضل الرازي : من خطيئتهم ، على التوحيد ، قال : ومعناه الجنس ، ودل على ذلك اتصافه بضمير الجماعة .
وذكر ابن خالويه ، وأبو عمر والداني أن داود هذا قرأ : من خطيآتهم ، بجمع خطيئة جمع السلامة ، بالألف والتاء .
وذكر ابن عطية عنه أنه قرأ : من خطئهم ، بفتح الطاء وكسر الياء ، وينبغي أن يحمل كسر الياء على أنها همزة سهلت بين بين ، فأشبهت الياء ، لأن قياس تسهيلها هو ذلك .
قال الزمخشري : فإن قلت : كيف سماهم كاذبين ؟ وإنما ضمنوا شيئاً علم الله أنهم لا يقدرون على الوفاء به ، ومن ضمن شيئاً لا يقدر على الوفاء به ، لا يسمى كاذباً ، لا حين ضمن ، ولا حين عجز ، لأنه في الحالين لا يدخل تحت عد الكاذبين ، وهو المخبر عن الشيء ، لا على ما هو عليه ؟ قلت : شبه الله حالهم ، حيث علم أن ما ضمنوه لا طريق لهم إلى أن يفوا به ، فكان ضمانهم عنده ، لا على ما عليه بالكاذبين الذين خبرهم ، لا على ما عليه المخبر عنه .
ويجوز أن يريد إنهم كاذبون لأنهم قالوا ذلك وقلوبهم على خلافه ، كالكاذبين الذين يصدقون الشيء ، وفي قلوبهم فيه الخلف . انتهى .
وتقدم من قول ابن عطية أن قوله : ولنحمل خبر ، يعني أمراً ، ومعناه الخبر ، وهذان الأمران منزلة الشرط والجزاء ، إذ المعنى : أن تتبعوا سبيلنا ، ولحقكم في ذلك إثم على ما تزعمون ، فنحن نحمل خطاياكم .
وإذا كان المعنى على هذا ، كان إخباراً في الجزاء بما لا يطابق ، وكان كذباً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.