معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَا نُرۡسِلُ ٱلۡمُرۡسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَۚ وَيُجَٰدِلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلۡبَٰطِلِ لِيُدۡحِضُواْ بِهِ ٱلۡحَقَّۖ وَٱتَّخَذُوٓاْ ءَايَٰتِي وَمَآ أُنذِرُواْ هُزُوٗا} (56)

قوله تعالى : { وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ويجادل الذين كفروا بالباطل } ، ومجادلتهم قولهم : { أبعث الله بشراً رسولاً } [ الإسراء – 94 ] . { لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم { ( الزخرف - 31 ) ، وما أشبهه ، { ليدحضوا } ، ليبطلوا ، { به الحق } ، وأصل الدحض الزلق يريد ليزيلوا به الحق ، { واتخذوا آياتي وما أنذروا هزواً } ، فيه إضمار يعني وما أنذروا به وهو القرآن ، هزواً أي استهزاء .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَا نُرۡسِلُ ٱلۡمُرۡسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَۚ وَيُجَٰدِلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلۡبَٰطِلِ لِيُدۡحِضُواْ بِهِ ٱلۡحَقَّۖ وَٱتَّخَذُوٓاْ ءَايَٰتِي وَمَآ أُنذِرُواْ هُزُوٗا} (56)

ثم بين - تعالى - وظيفة الرسل فقال : { وَمَا نُرْسِلُ المرسلين إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ } .

أى : تلك هى وظيفة الرسل الكرام الذين نرسلهم لهداية الناس وإخراجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإِيمان .

فهم يبشرون المؤمنين بحسن العاقبة وجزيل الثواب ، وينذرون الفاسقين والكافرين بسوء العاقبة ، وشديد العقاب .

وقوله - تعالى - : { وَيُجَادِلُ الذين كَفَرُواْ بالباطل لِيُدْحِضُواْ بِهِ الحق } بيان لموقف الكافرين من الرسل - عليهم الصلاة والسلام - .

ويجادل من المجادلة بمعنى المخاصمة والمنازعة . ومفعول محذوف .

والباطل : هو الشئ الزائل المضمحل الذى هو ضد الحق والعدل . والحق هو الشئ الثابت القويم الذى تؤيده شريعة الله - عز وجل - .

والدحض : الطين الذى لا تستقر عليه الأقدام . فمعنى يدحضوا : يزيلوا ويبطلوا تقول العرب : دحضت رجل فلان ، إذا زلت وزلقت . . ومنه قوله - تعالى - : { حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ } والمعنى : ويجادل الذين كفروا رسلهم بالجدال الباطل ، ليزيلوا به الحق الذى جاء به هؤلاء الرسل ويدحضوه ويبطلوه ، والله - تعالى - متم نوره ولو كره الكافرون ، فإن الباطل مهما طال فإن مصيره إلى الاضمحلال والزوال .

وقوله - تعالى - { واتخذوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُواْ هُزُواً } معطوف على ما قبله لبيان رذيلة أخرى من رذائل هؤلاء الكافرين .

والمراد بآيات الله : تلك المعجزات التى أيد الله - تعالى - بها رسله سواء أكانت قولا أم فعلا ، ويدخل فيها القرآن دخولا أوليا .

أى : أن هؤلاء الكافرين لم يكتفوا بجدال رسلهم بالباطل ، بل أضافوا إلى ذلك أنهم اتخذوا الآيات التى جاء بها الرسل كدليل على صدقهم ، واتخذوا ما أنذروهم به من قوارع إذا ما استمروا على كفرهم . اتخذوا كل ذلك { هزوا } أى : اتخذوها محل سخريتهم ولعبهم ولهوهم واستخفافهم ، كما قال - سبحانه - : { وَقَالَ الرسول يارب إِنَّ قَوْمِي اتخذوا هذا القرآن مَهْجُوراً }

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَا نُرۡسِلُ ٱلۡمُرۡسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَۚ وَيُجَٰدِلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلۡبَٰطِلِ لِيُدۡحِضُواْ بِهِ ٱلۡحَقَّۖ وَٱتَّخَذُوٓاْ ءَايَٰتِي وَمَآ أُنذِرُواْ هُزُوٗا} (56)

بعْد أن أشار إلى جدالهم في هدى القرآن بما مهد له من قوله : { وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً } [ الكهف : 54 ] . وأشار إلى أن الجدال فيه مجرد مكابرة وعناد ، وأنه لا يحف بالقرآن ما يمنع من الإيمان به كما لم يحف بالهدى الذي أرسل إلى الأمم ما يمنعهم الإيمان به ، أعقب ذلك بأن وظيفة الرسل التبليغ بالبشارة والنذارة لا التصدي للجادلة ، لأنها مجادلة لم يقصد منها الاسترشاد بل الغاية منها إبطال الحق .

والاستثناء من أحوال عامة محذوفة ، أي ما نرسل المرسلين في حال إلا في حال كونهم مبشرين ومنذرين . والمراد بالمرسلين جميع الرسل .

وجملة { ويجادل الذين كفروا بالباطل } عطف على جملة { وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين } . وكلتا الجملتين مرتبط بجملتي { ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً } [ الكهف : 54 ] . وترتيب هذه الجمل في الذكر جار على ترتيب معانيها في النفس بحيث يشعر بأن كل واحدة منها ناشىء معناها على معنى التي قبلها ، فكانت جملة { ويجادل الذين كفروا بالباطل } مفيدة معنى الاستدراك ، أي أرسلنا الرسل مبشرين ومنذرين بما فيه مقنع لطالب الهدى ، ولكن الذين كفروا جادلوه بالباطل لإزالة الحق لا لقصد آخر . واختيار فعل المضارعة للدلالة على تكرر المجادلة ، أو لاستحضار صورة المجادلة .

والمجادلة تقدمت في قوله تعالى : { يجادلنا في قوم لوط } في سورة هود ( 74 ) .

والإدحاض : الإزلاق ، يقال : دَحَضَتْ القدم ، إذا زَلّت ، وهو مجاز في الإزالة ، لأن الرجل إذا زلقت زَالت عن موضع تخطيها ، قال تعالى : { فساهم فكان من المدحضين } [ الصافات : 141 ] .

وجملة { واتخذوا آياتي } عطف على جملة { ويجادل } فإنهم ما قصدوا من المجادلة الاهتداء ، ولكن أرادوا إدحاض الحق واتخاذ الآيات كلها وبخاصة آيات الإنذار هزؤا .

والهُزُو : مصدر هَزَا ، أي اتخذوا ذلك مستهزأً به . والاستهزاء بالآيات هو الاستهزاء عند سماعها ، كما يفعلون عند سماع آيات الإخبار بالبعث وعند سماع آيات الوعيد والإنذار بالعذاب .

وعطفُ { وما أنذروا } على « الآيات » عطف خاص على عام لأنه أبلغ في الدلالة على توغل كفرهم وحماقة عقولهم .

{ وما أنذروا } مصدرية ، أي وإنذارهم والإخبار بالمصدر للمبالغة .

وقرأ الجمهور { هزءاً } بضم الزاي . وقرأه حمزة { هُزْءاً } بسكون الزاي .