البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَمَا نُرۡسِلُ ٱلۡمُرۡسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَۚ وَيُجَٰدِلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلۡبَٰطِلِ لِيُدۡحِضُواْ بِهِ ٱلۡحَقَّۖ وَٱتَّخَذُوٓاْ ءَايَٰتِي وَمَآ أُنذِرُواْ هُزُوٗا} (56)

أدحض الحق أرهقه قاله ثعلب ، وأصله من إدحاض القدم وهو إزلاقها قال الشاعر :

وردت ويجىّ اليشكري حذاره***وحاد كما حاد البعير عن الدّحض

وقال آخر :

أبا منذر رمت الوفاء وهبته***وحدت كما حاد البعير المدحض

والدحض الطين الذي يزهق فيه .

{ وما نرسل المرسلين إلاّ مبشرين } أي بالنعيم المقيم لمن آمن { ومنذرين } أي بالعذاب الأليم لمن كفر لا ليجادلوا ولا ليتمنى عليهم الاقتراحات { ليدحضوا } ليزيلوا { واتخذوا آياتي } يجمع آيات القرآن وعلامات الرسول قولاً وفعلاً { وما أنذروا } من عذاب الآخرة ، واحتملت { ما } أن تكون بمعنى الذي ، والعائد محذوف أي { وما } أنذروه وأن تكون مصدرية أي وإنذارهم فلا تحتاج إلى عائد على الأصح { هزواً } أي سخرية واستخفافاً لقولهم أساطير الأولين .

لو شئنا لقلنا مثل هذا وجداً لهم للرسل صلى الله عليه وسلم قولهم و { ما أنتم إلاّ بشر مثلنا } ولو شاء الله لأنزل ملائكة وما أشبه ذلك ، والآيات المضاف إلى الرب هو القرآن ولذلك عاد الضمير مفرداً في قوله { أن يفقهوه } وإعراضه عنها كونه لا يتذكر حين ذكر ولم يتدبر ونسي عاقبة ما قدّمت يداه من الكفر والمعاصي غير مفكر فيها ولا ناظر في أن المحسن والمسيء يجزيان بما عملا .