الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَمَا نُرۡسِلُ ٱلۡمُرۡسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَۚ وَيُجَٰدِلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلۡبَٰطِلِ لِيُدۡحِضُواْ بِهِ ٱلۡحَقَّۖ وَٱتَّخَذُوٓاْ ءَايَٰتِي وَمَآ أُنذِرُواْ هُزُوٗا} (56)

قوله تعالى : " وما نرسل المرسلين إلا مبشرين " أي بالجنة لمن آمن " ومنذرين " أي مخوفين بالعذاب من الكفر . وقد تقدم " ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق " قيل : نزلت في المقتسمين كانوا يجادلون في رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون : ساحر ومجنون وشاعر وكاهن كما تقدم{[10586]} . ومعنى " يدحضوا " يزيلوا ويبطلوا وأصل الدحض الزلق يقال : دحضت رجله أي زلقت ، تدحض دحضا ودحضت الشمس عن كبد السماء زالت ودحضت حجته دحوضا بطلت ، وأدحضها الله والإدحاض الإزلاق . وفي وصف الصراط : ( ويضرب الجسر على جهنم وتحل{[10587]} الشفاعة فيقولون اللهم سلم قيل : يا رسول الله وما الجسر ؟ قال : دَحْضٌ مَزْلَقَةٌ أي تزلق فيه القدم ) قال طرفة :

أبا منذرٍ رُمْتَ الوفاء فهِبته *** وحِدْتَ كما حاد البعيرُ عن الدَّحْضِ

" واتخذوا آياتي " يعني القرآن " وما أنذروا " و " ما " بمعنى المصدر أي والإنذار وقيل : بمعنى الذي ، أي اتخذوا القرآن والذي أنذروا به من الوعيد هزوا أي لعبا وباطلا ، " هزوا " أي اتخذوا القرآن والذي أنذروا به من الوعيد هزوا أي لعبا وباطلا ، وقد تقدم في " البقرة " {[10588]} بيانه . وقيل : هو قول أبي جهل في الزبد والتمر هذا هو الزقوم وقيل : هو قولهم في القرآن هو سحر وأضغاث أحلام وأساطير الأولين ، وقالوا للرسول : " هل هذا إلا بشر مثلكم{[10589]} " [ الأنبياء : 3 ] " وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القرنين عظيم " [ الزخرف : 31 ] و " ماذا أراد الله بهذا مثلا{[10590]} " [ المدثر : 31 ] .


[10586]:راجع جـ 10 ص 58.
[10587]:تحل: تقع ويؤذن فيها، وهو (بكسر الحاء) وقيل: (بضمها). النووي.
[10588]:راجع جـ 3 ص 156 فما بعد.
[10589]:راجع ص 269 من هذا الجزء.
[10590]:راجع جـ 19 ص 80.