اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَا نُرۡسِلُ ٱلۡمُرۡسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَۚ وَيُجَٰدِلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلۡبَٰطِلِ لِيُدۡحِضُواْ بِهِ ٱلۡحَقَّۖ وَٱتَّخَذُوٓاْ ءَايَٰتِي وَمَآ أُنذِرُواْ هُزُوٗا} (56)

ثم بيَّن تعالى أنه إنما أرسل الرُّسُل مبشِّرين ومُنْذرين بالعقاب على المعصية ؛ لكي يؤمنوا طوعاً ، ومع هذه الأحوال يوجد من الكُفَّار المجادلة بالباطل ؛ لغرض دحض الحقِّ ؛ وهذا يدُلُّ على أنَّ الأنبياء كانوا يجادِلُونهم ، كما تقدَّم من أنَّ المجادلة إنَّما تحصُلُ من الجانبين ، ومجادلتُهُمْ قولهم : { أَبَعَثَ الله بَشَراً رَّسُولاً } [ الإسراء : 94 ] ، وقوله : { لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] .

قوله : { ليُدْحِضُوا } : متعلِّقٌ ب " يُجادِلُ " والإدْحاض : الإزلاقُ ، يقال : أدحض قدمه ، أي : أزلقها ، وأزلَّها من موضعها . والحجَّة الداحضة الَّتي لا ثبات لها لزلزلة قدمها ، والدَّحضُ : الطِّين ؛ لأنه يُزلقُ فيه ، قال : [ الطويل ]

أبَا مُنْذِرٍ رُمْتَ الوَفَاءَ وَهِبْتَهُ *** وَحِدْتَ كَمَا حَادَ البَعِيرُ عَنِ الدَّحْضِ{[21174]}

وقال آخر : [ الطويل ]

[ وَرَدْتُ وَنَجَّى اليَشْكُرِيّ حِذَارُهُ *** وَحَادَ كَمَا حَادَ البَعيرُ عَنِ الدَّحْضِ ]{[21175]}

و " مكانٌ دَحْضٌ " مِنْ هذا .

قوله : " وَمَا أُنْذِرُوا " يجوزُ في " مَا " هذه أَنْ تكون مصدريَّةً ، وأَنْ تكون بمعنى " الَّذي " والعائد محذوف ، وعلى التقديرين ، فهي عطفٌ على " آياتي " .

و " هُزُواً " مفعولٌ ثانٍ أو حالٌ ، وتقدَّم الخلافُ في " هُزُواً " في قوله { وَمَا أُنْذِرُوا هُزُواً } وفيه إضمار أي وما أنذروا به ، وهو القرآن " هُزُواً " أي استهزاء .


[21174]:لأبي كبير ينظر: ديوان الهذليين 2/104، الطبري 1/173، البحر 6/126، اللسان "صرف" ، الدر المصون 4/466.
[21175]:البيت لطرفة ينظر: شرح ديوان الحماسة 3/1165، مجاز القرآن 1/409، البحر 6/156، الجمهرة 2/123، اللسان "دحض"، الدر المصون 4/466.