معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَأَصۡبَحَ فِي ٱلۡمَدِينَةِ خَآئِفٗا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا ٱلَّذِي ٱسۡتَنصَرَهُۥ بِٱلۡأَمۡسِ يَسۡتَصۡرِخُهُۥۚ قَالَ لَهُۥ مُوسَىٰٓ إِنَّكَ لَغَوِيّٞ مُّبِينٞ} (18)

قوله تعالى : { فأصبح في المدينة } أي : في المدينة التي قتل فيها القبطي ، { خائفاً } من قتله القبطي ، { يترقب } ينتظر سوءاً ، والترقب : انتظار المكروه ، قال الكلبي : ينتظر متى يؤخذ به ، { فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه } يستغيثه ويصيح به من بعد . قال ابن عباس : أتي فرعون فقيل له : إن بني إسرائيل قتلوا منا رجلاً فخذ لنا بحقنا ، فقال : ابغوا لي قاتله ومن يشهد عليه ، فلا يستقيم أن يقضي بغير بينة ، فبينما هم يطوفون لا يجدون بينة إذ مر موسى من الغد فرأى ذلك الإسرائيلي يقاتل فرعونياً فاستغاثه على الفرعوني فصادف موسى ، وقد ندم على ما كان منه بالأمس من قتل القبطي ، { قال له موسى } للإسرائيلي : { إنك لغوي مبين } ظاهر الغواية قاتلت بالأمس رجلاً فقتلته بسببك ، وتقاتل اليوم آخر وتستغيثني عليه ، وقيل : إنما قال موسى للفرعوني : ( إنك لغوي مبين ) لظلمك ، والأول أصوب ، وعليه الأكثرون أنه قال ذلك للإسرائيلي .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَأَصۡبَحَ فِي ٱلۡمَدِينَةِ خَآئِفٗا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا ٱلَّذِي ٱسۡتَنصَرَهُۥ بِٱلۡأَمۡسِ يَسۡتَصۡرِخُهُۥۚ قَالَ لَهُۥ مُوسَىٰٓ إِنَّكَ لَغَوِيّٞ مُّبِينٞ} (18)

ثم بين - سبحانه - ما كان من أمر موسى بعد هذه الحادثة فقال : فَأَصْبَحَ فِي المدينة خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ } .

أى : واستمر موسى - عليه السلام - بعد قتله للقبطى ، يساوره القلق ، فأصبح يسير فى طرقات المدينة التى حدث فيها القتل ، { خَآئِفاً } من وقوع مكروه به { يَتَرَقَّبُ } ما سيسفر عنه هذا القتل من اتهامات وعقوبات ومساءلات .

والتعبير بقوله { خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ } يشعر بشدة القلق النفسى الذى أصاب موسى - عليه السلام - فى أعقاب هذا الحادث ، كما يشعر - أيضا - بأنه - عليه السلام - لم يكن فى هذا الوقت على صلة بفرعون وحاشيته ، لأنه لو كان على صلة بهم ، ربما دافعوا عنه ، أو خففوا المسألة عليه .

و { إِذَا } فى قوله - تعالى - { فَإِذَا الذي استنصره بالأمس يَسْتَصْرِخُهُ } فجائية .

ويستصرخه : أى : يستغيث به ، مأخوذ من الصراخ وهو رفع الصوت ، لأن من عادة المستغثيث بغيره أن يرفع صوته طالبا النجدو والعون .

أى : وبينما موسى على هذه الحالة من الخوف والترقب ، فإذا بالشخص الإسرائيلى الذى نصره موسى بالأمس ، يستغيث به مرة أخرى من قبطى آخر ويطلب منه أن يعينه عليه .

وهنا قال موسى - عليه السلام - لذلك الإسرائيلى المشاكس : { إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ } .

والغوى : فعيل من أغوى يغوى ، وهو بمعنى مغو ، كالوجيع والأليم بمعنى : الموجع والمؤلم . والمراد به هنا : الجاهل أو الخائب أو الضال عن الصواب .

أى : قال له موسى بحدة وغضب : إنك لضال بين الضلال ولجاهل واضح الجهالة ، لأنك تسببت فى قتلى لرجل بالأمس ، وتريد أن تحملنى اليوم على أن أفعل ما فعلته بالأمس ، ولأنك لجهلك تنازع من لا قدرة لك على منازعته أو مخاصمته .

ومع أن موسى - عليه السلام - قد قال للإسرائيلى { إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ }

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَأَصۡبَحَ فِي ٱلۡمَدِينَةِ خَآئِفٗا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا ٱلَّذِي ٱسۡتَنصَرَهُۥ بِٱلۡأَمۡسِ يَسۡتَصۡرِخُهُۥۚ قَالَ لَهُۥ مُوسَىٰٓ إِنَّكَ لَغَوِيّٞ مُّبِينٞ} (18)

وقوله تعالى { فأصبح } عبارة عن كونه دائم الخوف في كل أوقاته كما تقول : أصبح زيد عالماً ، و { يترقب } معناه عليه رقبة من فعله في القتل فهو متحسس ، قال ابن عباس : فمر وهو بحالة الترقب وإذا ذلك الإسرائيلي الذي قاتل القبطي بالأمس يقاتل آخر من القبط ، وكان قتل القبطي قد خفي عن الناس واكتتم فلما رأى الإسرائيلي موسى استصرخه بمعنى صاح به مستغيثاً ومنه قول الشاعر [ سلامة بن جندل ] : [ البسيط ]

كنا إذا ما أتانا صارخ فزع . . . كان الصراخ له فزع الظنابيب{[9127]}

فلما رأى موسى قتاله لآخر أعظم ذلك وقال له معاتباً ومؤنباً { إنك لغوي مبين } وكانت إرادة موسى مع ذلك أن ينصر الإسرائيلي فلما دنا منهما خشي الإسرائيلي وفزع منه وظن أنه ربما ضربه وفزع من قوته التي رأى بالأمس فناداه بالفضيحة وشهر أمر المقتول .


[9127]:البيت لسلامة بن جندل، والصارخ: المستغيث، وفي المثل: "عبد صريخه أمة" أي: ناصره أذل منه، والصراخ: الإغاثة والنجدة، وفي التنزيل العزيز: {ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي}، والظنابيب جمع ظنبوب، وهو حرف العظم اليابس من السابق، والبيت في (اللسان- ظنب) قال بعد أن البيت: "عنى بذلك سرعة الإجابة، وجعل قرع السوط على ساق الخف في زجر الفرس قرعا للظنبوب"، ثم قال: "قرع الظنبوب أن يقرع الرجل ظنبوب راحلته بعصاه إذا أناخها ليركبها ركوب المسرع إلى الشيء". هذا وقد سبق الاستشهاد بهذا البيت (الجزء الثامن ص 228 هامش 1).