اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَأَصۡبَحَ فِي ٱلۡمَدِينَةِ خَآئِفٗا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا ٱلَّذِي ٱسۡتَنصَرَهُۥ بِٱلۡأَمۡسِ يَسۡتَصۡرِخُهُۥۚ قَالَ لَهُۥ مُوسَىٰٓ إِنَّكَ لَغَوِيّٞ مُّبِينٞ} (18)

قوله : { فَأَصْبَحَ فِي المدينة } التي قتل فيها القبطي «خَائِفاً » الظاهر أنه خبر «أصبح » ، و «فِي المَدِينَةِ » مفعول به ، ويجوز أن يكون حالاً ، والخبر «فِي المَدِينَةِ »{[39908]} ، ويضعف تمام «أَصْبَحَ » أي : دخل في الصباح .

قوله : «يَتَرَقَّبُ » يجوز أن يكون خبراً ثانياً ، وأن يكون حالاً ثانيةً ، وأن يكون بدلاً من الحال ( الأولى ){[39909]} {[39910]} ، أو الخبر الأول ، أو حالاً من الضمير في «خَائفاً »{[39911]} فتكون متداخلة ، ومفعول «يَتَرَقَّبُ » محذوف ، أي : يترقب المكروه ، أو الفرج ، أو الخبر : هل وصل لفرعون أم لا ؟{[39912]} قوله : «فَإِذَا الذي » «إِذَا » فجائية ، و «الَّذِي » مبتدأ وخبره إمَّا «إذَا » ف «يَسْتَصْرِخُهُ » حال ، وإمَّا «يَسْتَصْرِخُهُ » ف «إِذَا » فضلة على بابها{[39913]} ، و «بِالأَمْسِ » معرب ، لأنه متى دخلت عليه «أل » أو{[39914]} أضيف أعرب ، ومتى عَرِيَ منها فحاله معروفٌ ، الحجاز{[39915]} يبنونه ، والتميميون يمنعونه الصرف{[39916]} ، كقوله :

3981 - لَقَدْ{[39917]} رَأَيْتُ عَجَباً مُذْ أَمْسَا{[39918]} *** . . .

على أنه قد بُنِيَ مع «ال » ندوراً ، كقوله :

3982 - وَإِنِّي حُبِسْتُ اليَوْمَ والأَمْسِ قَبْلَهُ *** إِلَى الشَّمْسِ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ{[39919]}

يروى بكسر السين .

قوله : { قَالَ لَهُ موسى } الضمير قيل للإسرائيلي ، لأنه كان سبباً في الفتنة الأولى ، وقيل للقبطي{[39920]} ، وذلك أنَّ موسى لما أصبح خائفاً من قتل القبطي «يَتَرَقَّب » ينتظر سوءاً ، والترقب انتظار المكروه . قال الكلبي : ينتظر متى يؤخذ به ، { فَإِذَا الذي استنصره بالأمس يَسْتَصْرِخُهُ } يستغيثه ويصيح به من بعد{[39921]} ، قال ابن عباس : أتى فرعون فقيل له : إنَّ بني إسرائيل قتلوا مِنَّا رجلاً فخذ لنا بحقنا ، فقال ابغوا{[39922]} لي قاتله ومن يشهد عليه ( فلا تنسبوني أن أقضي ){[39923]} بغير بينة ، فبينما هم يطوفون لا يجدون بيّنة إذ مَرَّ مُوسَى من الغد ، فرأى ذلك الإسرائيلي يقاتل فرعونياً ، فاستغاثه على الفرعوني ، فصادق موسى وقد ندم على ما كان منه بالأمس من قتل القبطي ، فقال موسى للإسرائيلي : { إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ } ( أي : ظاهر الغواية ){[39924]} {[39925]} . قال أهل اللغة : «لَغَوِيٌّ » يجوز أن يكون فَعِيلاً بمعنى مفعل ، أي : إنَّك لمغويّ ، فإنِّي وقعتُ بالأمس فيما وقعت فيه بسببك ، ويجوز أن يكون بمعنى الغاوي{[39926]} : قاتلت رجلاً بالأمس فقتلته بسببك ، وتقاتل اليوم آخر ، وتستغيثني عليه ، وقيل : إنما قال موسى للفرعوني : { إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ } بظلمك ، والأكثرون على الأول{[39927]} .


[39908]:انظر البيان 2/230.
[39909]:انظر التبيان 2/1018.
[39910]:ما بين القوسين في ب: الأول.
[39911]:انظر التبيان 2/1018.
[39912]:انظر البحر المحيط 7/101.
[39913]:انظر البيان 2/230-231، التبيان 2/1018.
[39914]:في ب: و.
[39915]:في ب: أهل الحجاز.
[39916]:انظر الكتاب 3/383-385، ابن يعيش 4/106-107، شرح التصريح 2/225-226، الهمع 1/208-209.
[39917]:لقد: سقط من الأصل.
[39918]:رجز ينسب للعجاج وهو في الكتاب 3/285، أمالي ابن الشجري 2/260، ابن يعيش 4/106، شذور الذهب 99، المقاصد النحوية 4/357، شرح التصريح 2/226، الهمع 1/209 الخزانة 7/167، الدرر 1/175. والشاهد فيه أعراب (أمس) مع منعها من الصرف للعلمية والعدل عن (الأمس) عند بني تميم.
[39919]:البيت من بحر الطويل، قاله نصيب بن رباح، شاعر إسلامي، وهو في الخصائص 3/57، المحتسب 2/190، الإنصاف 1/320، اللسان (أمس)، شذور الذهب 101، الهمع 1/209 الدرر 1/175. والشاهد فيه قوله: (الأمس) بكسر السين، فهو مبني ، والأصل فيه الإعراب لأنه اقترن بـ (أل) فكان الواجب فيه النصب إعراباً. وروي بفتح السين على الأصل، لأنه معطوف على (اليوم) وهو منصوب، والمعطوف على المنصوب منصوب.
[39920]:انظر البحر المحيط 7/110.
[39921]:انظر البغوي 6/327.
[39922]:يريد: اطلبوا إلى.
[39923]:ما بين القوسين في الأصل: لن يقضي.
[39924]:انظر البغوي 6/327.
[39925]:ما بين القوسين مكرر في ب.
[39926]:انظر الفخر الرازي 24/236.
[39927]:انظر البغوي 6/327-328.