البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَأَصۡبَحَ فِي ٱلۡمَدِينَةِ خَآئِفٗا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا ٱلَّذِي ٱسۡتَنصَرَهُۥ بِٱلۡأَمۡسِ يَسۡتَصۡرِخُهُۥۚ قَالَ لَهُۥ مُوسَىٰٓ إِنَّكَ لَغَوِيّٞ مُّبِينٞ} (18)

وقال رجل لعطاء : إن أخي يضرب بعلمه ولا يعدو رزقه ، قال : فمن الرأس ، يعني من يكتب له ؟ قال : خالد بن عبد الله القسري ، قال : فأين قول موسى ؟ وتلا الآية : { فأصبح في المدينة خائفاً } من قبل القبطي أن يؤخذ به ، يترقب وقوع المكروه ، به أو الإخبار هل وقفوا على ما كان منه ؟ قيل : خائفاً من أنه يترقب المغفرة .

وقيل : خائفاً يترقب نصرة ربه ، أو يترقب هداية قومه ، أو ينتظر أن يسلمه قومه .

{ فإذا الذي استنصره بالأمس } : أي الإسرائيلي الذي كان قتل القبطي بسببه .

وإذا هنا للمفاجأة ، وبالأمس يعني اليوم الذي قبل يوم الاستصراخ ، وهو معرب ، فحركة سينه حركة إعراب لأنه دخلته أل ، بخلاف حاله إذا عري منها ، فالحجاز تنبيه إذا كان معرفة ، وتميم تمنعه الصرف حالة الرفع فقط ، ومنهم من يمنعه الصرف مطلقاً ، وقد يبنى مع أل على سبيل الندور .

قال الشاعر :

وإني حسبت اليوم والأمس قبله *** إلى الليل حتى كادت الشمس تغرب

{ يستصرخه } : يصيح به مستغيثاً من قبطيّ آخر ، ومنه قول الشاعر :

كنا إذا ما أتانا صارخ فزع *** كان الصراخ له قرع الطنابيب

قال له موسى : الظاهر أن الضمير في له عائد على الذي { إنك لغوي مبين } لكونك كنت سبباً في قتل القبطي بالأمس ، قال له ذلك على سبيل العتاب والتأنيب .

وقيل : الضمير في له ، والخطاب للقبطي ، ودل عليه قوله : يستصرخه ، ولم يفهم الإسرائيلي أن الخطاب للقبطي .