مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَأَصۡبَحَ فِي ٱلۡمَدِينَةِ خَآئِفٗا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا ٱلَّذِي ٱسۡتَنصَرَهُۥ بِٱلۡأَمۡسِ يَسۡتَصۡرِخُهُۥۚ قَالَ لَهُۥ مُوسَىٰٓ إِنَّكَ لَغَوِيّٞ مُّبِينٞ} (18)

قوله تعالى : { فأصبح في المدينة خائفا يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه قال له موسى إنك لغوي مبين فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين وجاء رجل من أقصا المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين } .

اعلم أن عند موت ذلك الرجل من الوكز أصبح موسى عليه السلام من غد ذلك اليوم خائفا من أن يظهر أنه هو القاتل فيطلب به ، وخرج على استتار { فإذا الذي استنصره } وهو الإسرائيلي { بالأمس يستصرخه } يطلب نصرته بصياح وصراخ ، { قال له موسى إنك لغوي مبين } قال أهل اللغة الغوي يجوز أن يكون فعيلا بمعنى مفعل أي إنك لمغو لقومي فإني وقعت بالأمس فيما وقعت فيه بسببك ، ويجوز أن يكون بمعنى الغاوي . واحتج به من قدح في عصمة الأنبياء عليهم السلام ، فقال كيف يجوز لموسى عليه السلام أن يقول لرجل من شيعته يستصرخه { إنك لغوي مبين } ؟ الجواب من وجهين : الأول : أن قوم موسى عليه السلام كانوا غلاظا جفاة ألا ترى إلى قولهم بعد مشاهدة الآيات { اجعل لنا إلها كما لهم آلهة } فالمراد بالغوي المبين ذلك . الثاني : أنه عليه السلام إنما سماه غويا لأن من تكثر منه المخاصمة على وجه يتعذر عليه دفع خصمه عما يرومه من ضرره يكون خلاف طريقة الرشد . واختلفوا في قوله تعال : { قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت } أهو من كلام الإسرائيلي أو القبطي ؟ فقال بعضهم لما خاطب موسى الإسرائيلي بأنه غوي ورآه على غضب ظن لما هم بالبطش أنه يريده ، فقال هذا القول ، وزعموا أنه لم يعرف قتله بالأمس للرجل إلا هو ، وصار ذلك سببا لظهور القتل ومزيد الخوف ، وقال آخرون بل هو قول القبطي ، وقد كان عرف القصة من الإسرائيلي ، والظاهر هذا الوجه لأنه تعالى قال : { فلما أن أراد يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى }