معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَدۡ جَآءَكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَنۡ أَبۡصَرَ فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ عَمِيَ فَعَلَيۡهَاۚ وَمَآ أَنَا۠ عَلَيۡكُم بِحَفِيظٖ} (104)

قوله تعالى : { قد جاءكم بصائر من ربكم } ، يعني الحجج البينة التي تبصرون بها الهدى من الضلالة ، والحق من الباطل .

قوله تعالى : { فمن أبصر } ، أي : فمن عرفها وآمن بها .

قوله تعالى : { فلنفسه } عمله ، ونفعه له .

قوله تعالى : { ومن عمي فعليها } ، أي : من عمي عنها فلم يعرفها ، ولم يصدقها ، فعليها ، أي : بنفسه ضر ، ووبال العمى عليه .

قوله تعالى : { وما أنا عليكم بحفيظ } ، برقيب أحصي عليكم أعمالكم ، إنما أنا رسول أبلغكم رسالات ربي وهو الحفيظ عليكم ، الذي لا يخفى عليه شيء من أفعالكم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَدۡ جَآءَكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَنۡ أَبۡصَرَ فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ عَمِيَ فَعَلَيۡهَاۚ وَمَآ أَنَا۠ عَلَيۡكُم بِحَفِيظٖ} (104)

ثم أخذ القرآن فى تثبيت النبى صلى الله عليه وسلم وفى تسليته ، وفى مدح ما جاء به من هدايات فقال - تعالى - : { قَدْ جَآءَكُمْ . . . . } .

قوله { قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ } البصائر : جمع بصيرة ، وهى للقلب بمنزلة البصر للعين ، فهى النور الذى يبصر به القلب ، كما أن البصر هن النور الذى تبصر به العين .

والمراد بها آيات القرآن ودلائله التى يفرق بها بين الهدى والضلالة . أى : قد جاءكم أيها الناس من ربكم وخالقكم هذا القرآن ودلائله التى يفرق بها بين الهدى والضلالة . أى : قد جاءكم أيها الناس من ربكم وخالقكم هذا القرآن بآياته وحججه وهداياته لكى تميزوا بين الحق والباطل ، وتتبعوا الصراط المستقيم .

وإطلاق البصائر على هذه الآيات من إطلاق اسم المسبب على السبب .

وقوله : { فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا } أى : فمن أبصر الحق وعلمه بواسطة تلك البصائر وآمن به فلنفسه أبصر وإياها نفع ، ولسعادتها ما قدم من ألوان الخير ، ومن عمى عن الحق وجهله بإعراضه عن هذه البصائر فعلى نفسه وحدها جنى وإياها ضرب العمى وهذا كقوله - تعالى : { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } وقوله : { مَّنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا } واختتمت الآية بقوله { وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } أى : وما أنا عليكم برقيب أحصى عليكم أعمالكم ، وأحفظكم من الضلال ، وإنما أنا علىَّ البلاغ والله وحده هو الذى يحصى عليكم أعمالكم ويجازيكم عليها بما تستحقون .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَدۡ جَآءَكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَنۡ أَبۡصَرَ فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ عَمِيَ فَعَلَيۡهَاۚ وَمَآ أَنَا۠ عَلَيۡكُم بِحَفِيظٖ} (104)

و «البصائر » جمع بصيرة وهي ما يتفق عن تحصيل العقل للأشياء المنظور فيها ، بالاعتبار ، فكأنه قال قد جاءكم في القرآن والآيات طرائق إبصار الحق والمعينة عليه ، والبصيرة للقلب مستعارة من إبصار العين ، والبصيرة أيضاً هي المعتقد المحصل في قول الشاعر [ الأسعر الجعفي ] : [ الكامل ]

راحوا بَصَائِرُهُمْ عَلَى اكْتَافِهِمْ . . . وَبَصيِرَتي يَعْدُو بها عَتدٌ وَآى{[5042]}

وقال بعض الناس في هذا البيت البصيرة طريقة الدم ، والشاعر إنما يصف جماعة مشوا به في طلب دم ففتروا فجعلوا الأمر وراء ظهورهم ، وقوله تعالى : { من أبصر ومن عمي } عبارة مستعارة فيمن اهتدى ومن ضل ، وقوله { وما أنا عليكم بحفيظ } كان في أول الأمر وقبل ظهور الإسلام ثم بعد ذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حفيظاً على العالم آخذاً لهم بالإسلام والسيف .


[5042]:- هذا البيت للأسعر الجعفي، والذي في "القرطبي": "جاءوا بصائرهم". والعتد (بفتح التاء وكسرها) الفرس التام الخلق السريع الوثبة المعد للجري ليس فيه اضطراب ولا رخاوة، والوآي (بواو مفتوحة بعدها مد) هو الفرس السريع المقتدر الخلق. يقول إنهم تركوا دم أبيهم وجعلوه خلفهم، أي: لم يثأروا له وأنا طلبت ثأري.