قوله تعالى : { من ورائه جهنم } أي : أمامه ، كقوله تعالى { وكان وراءهم ملك } [ الكهف-76 ] أي : أمامهم . قال أبو عبيدة : هو من الأضداد . وقال الأخفش : هو كما يقال هذا الأمر من ورائك يريد أنه سيأتيك ، وأنا من وراء فلان يعني أصل إليه . وقال مقاتل : من ورائه جهنم أي : بعده . { ويسقى من ماء صديد } أي : من ماء هو صديد ، وهو ما يسيل من أبدان الكفار من القيح والدم . وقال محمد بن كعب : ما يسيل من فروج الزناة ، يسقاه الكافر .
وقوله { مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ } صفة لجبار عنيد .
والمراد بقوله : { مِّن وَرَآئِهِ } أى : من أمامه ، أو من بعد هلاكه .
أى : من أمام خيبة هذا الجبار العنيد جهنم ، تنتظر ليحل بها ، بسبب كفرة وظلمه .
قال صاحب أضواء البيان : قوله { مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ . . . } الوراء هنا بمعنى الأمام كما هو ظاهر ، ومنه قوله - تعالى - { وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً } أى : وكان أمامهم ملك . . ومنه قول الشاعر :
أترجو بنو مروان سمعى وطاعتى . . . وقومى تميم والفلاة ورائيا
وقال بعضهم : قوله { مِّن وَرَآئِهِ } أى من بعد هلاكه ، ومنه قول النابغة :
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة . . . وليس وراء الله للمرء مذهب
أى : وليس بعد الله للمرء مذهب ، والأول هو الظاهر هو الحق .
وعلى أية حال فإن الجملة الكريمة تدل على أن جنهم تنتظر هذا الجبار العنيد ، وتترصد له ، وتتبعه حيث كان ، بحيث لا يستطيع الفرار منها ، أو الهرب عنها .
وجملة { ويسقى مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ } معطوفة على مقدر ، أى : من ورائه جهنم يلقى فيها مذءوماً مدحوراً ، ويسقى من ماء مخصوص ليس كالمياه المعهودة ، هو الصديد ، أى ما يسيل من أجساد هذا النار من دم مختلط بقيح ، واشتقاقه من الصد ، لأنه يصد الناظرين عن رؤيته . وهو بدل أو عطف بيان من ماء .
قوله : { من ورائه جهنم } صفة ل { جبار عنيد } ، أي خاب الجبّار العنيد في الدنيا وليس ذلك حظه من العقاب بل وراءه عقاب الآخرة .
والوراء : مستعمل في معنى ما ينتظره ويحل به من بعد ، فاستعير لذلك بجامع الغفلة عن الحصول كالشيء الذي يكون من وراء المرء لا يشعر به لأنه لا يراه ، كقوله تعالى : { وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً } [ سورة الكهف : 79 ] ، أي وهم غافلون عنه ولو ظفر بهم لافتك سفينتهم ، وقول هدبة بن خشرم :
عسى الكرب الذي أمسيت فيه *** يكون وراءَه فَرج قريب
وأما إطلاق الوراء على معنى من بَعْد } فاستعمال آخر قريب من هذا وليس عينه .
والمعنى : أن جهنم تنتظره ، أي فهو صائر إليها بعد موته .
والصديد : المُهلة ، أي مثل الماء يسيل من الدمل ونحوه ، وجعل الصديد ماء على التشبيه البليغ في الإسقاء ، لأن شأن الماء أن يُسْقى . والمعنى : ويسقى صديداً عوض الماء إن طلب الإسقاء ، ولذلك جعل { صديد } عطفَ بيان ل { ماء } . وهذا من وجوه التشبيه البليغ .
وعطف جملة { يسقى } على جملة { من ورائه جهنم } لأن السقي من الصديد شيء زائد على نار جهنم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.