قوله تعالى : { والذي جاء بالصدق وصدق به } قال ابن عباس : { والذي جاء بالصدق } يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بلا إله إلا الله ، { وصدق به } الرسول أيضاً بلغه إلى الخلق ، وقال السدي :{ والذي جاء بالصدق } جبريل جاء بالقرآن ، { وصدق به } محمد صلى الله عليه وسلم تلقاه بالقبول ، وقال الكلبي ، وأبو العالية : { والذي جاء بالصدق } رسول الله صلى الله عليه وسلم ، { وصدق به } أبو بكر رضي الله عنه . وقال قتادة ، ومقاتل : { والذي جاء بالصدق } رسول الله صلى الله عليه وسلم ، { وصدق به } هم المؤمنون . لقوله عز وجل : { أولئك هم المتقون } وقال عطاء : { والذي جاء بالصدق } الأنبياء ، { وصدق به } الأتباع ، وحينئذ يكون " الذي " بمعنى : " الذين " كقوله تعالى : { مثلهم كمثل الذي استوقد نارا } ( البقرة-17 ) ، ثم قال : { ذهب الله بنورهم } ( البقرة-17 ) وقال الحسن : هم المؤمنون صدقوا به في الدنيا ، وجاؤوا به في الآخرة . وفي قراءة عبد الله بن مسعود : والذين جاؤوا بالصدق ، وصدقوا به .
ثم بين - سبحانه - حسن عاقبة أهل الصدق والإِيمان فقال : { والذي جَآءَ بالصدق وَصَدَّقَ بِهِ أولئك هُمُ المتقون } .
والمراد بالذى جاء بالصدق : رسول الله صلى الله عليه وسلم والمراد بالذى صدق به : ما يشمل الرسول صلى الله عليه وسلم ويشمل كل من آمن به واتبعه فيما جاء به ، كأبى بكر الصديق وغيره من الصحابة .
قال الآلوسى ما ملخصه : قوله - تعالى - : { والذي جَآءَ بالصدق وَصَدَّقَ بِهِ } الموصول عبارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخرجه ابن جرير وغيره عن ابن عباس . . . والمؤمنون داخلون بدلالة السياق وحكم التبعية ، دخول الجند فى قولك : نزل الأمير موضع كذا . .
والجمع فى قوله - تعالى - : { أولئك هُمُ المتقون } باعتبار دخول الأتباع تباعا : ومراتب التقوى متفاوتة ، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم أعلاها . . .
{ والذي جاء بالصدق وصدق به } اللام للجنس ليتناول الرسل والمؤمنين لقوله : { أولئك هم المتقون } وقيل هو النبي صلى الله عليه وسلم والمراد هو ومن تبعه كما في قوله تعالى : { ولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون } وقيل الجائي هو الرسول والمصدق أبو بكر رضي الله عنه ، وذلك يقتضي إضمار الذي هو غير جائز . وقرئ " وصدق به " بالتخفيف أي صدق به الناس فأداه إليهم كما نزل من غير تحريف ، أو صار صادقا بسببه لأنه معجز يدل على صدقه " وصدق به " على البناء للمفعول .
قوله تعالى : { والذي جاء بالصدق } معادل لقوله : { فمن أظلم ممن كذب } [ الزمر : 32 ] { فمن } [ الزمر : 32 ] هنالك للجميع والعموم ، فكذلك هاهنا هي للجنس أيضاً ، كأنه قال : والفريق الذي جاء بعضه بالصدق وصدق بعضه ، ويستقيم المعنى واللفظ على هذا الترتيب . وفي قراءة ابن مسعود : والذي جاؤوا بالصدق وصدقوا به . و «الصدق » هنا : القرآن وأنباؤه والشرع بجملته . وقالت فرقة : { الذي } يراد به الذين ، وحذفت النون لطول الكلام ، وهذا غير جيد ، وتركيب جاء عليه يرد ذلك ، وليس هذا كقول الفرزدق :
إن عميَّ اللذا *** قتلا الملوك . . . {[9894]}
ونظير الآية قول الشاعر [ أشهب بن رملية ] : [ الطويل ]
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم . . . هُم القوم كل القوم يا أم خالد{[9895]}
وقال ابن عباس : { والذي جاء بالصدق } هو محمد صلى الله عليه وسلم وهو الذي صدق به ، وقالت فرقة من المفسرين : «الذي جاء » هو جبريل ، والذي صدق به هو محمد صلى الله عليه وسلم . وقال علي بن أبي طالب وأبو العالية والكلبي وجماعة «الذي جاء » هو محمد عليه السلام ، والذي صدق هو أبو بكر . وقال أبو الأسود وجماعة منهم مجاهد : الذي صدق هو علي بن أبي طالب وقال قتادة وابن زيد : «الذي جاء » هو محمد صلى الله عليه وسلم ، والذي صدق به هم المؤمنون . قال مجاهد هم أهل القرآن . وقالت فرقة : بالعموم الذي ذكرناه أولاً ، وهو أصوب الأقوال .
وقرأ أبو صالح{[9896]} ومحمد بن جحادة{[9897]} وعكرمة بن سليمان : «وصدَق به » بتخفيف الدال ، بمعنى استحق به اسم الصدق ، فعلى هذه القراءة يكون إسناد الأفعال كلها إلى محمد عليه السلام ، وكأن أمته في ضمن القول ، وهو الذي يحسن { أولئك هم المتقون } قال ابن عباس : اتقوا الشرك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.