السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدۡقِ وَصَدَّقَ بِهِۦٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ} (33)

ولما ذكر من افترى وكذب ذكر مقابله وهو الذي جاء بالصدق وصدق به بقوله تعالى : { والذي جاء بالصدق } قال قتادة ومقاتل : هو النبي صلى الله عليه وسلم { وصدّق به } هم المؤمنون فالذي بمعنى الذين ولذلك روعي معناه فجمع في قوله تعالى : { أولئك } أي : العالو الرتبة { هم المتقون } أي : الشرك كما روعي معنى من في قوله تعالى : { للكافرين } فإن الكافرين ظاهر واقع موقع الضمير ، إذ الأصل مثوى لهم وكما في قوله تعالى : { مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً } ( البقرة : 17 ) ثم قال { ذهب الله بنورهم } ( البقرة : 17 ) قال الزمخشري : ويجوز أن يريد الفوج أو الفريق الذي جاء بالصدق وصدق به وهم الرسول الذي جاء بالصدق وصحابته رضي الله تعالى عنهم الذين صدقوا به ا . ه قال أبو حيان : وفيه توزيع للصلة والفوج هو الموصول فهو كقولك : جاء الفريق الذي شرف وشرف ، والأظهر عدم التوزيع بل المعطوف على الصلة صلة لمن له الصلة الأولى ، وقيل : بل الأصل والذين جاء بالصدق فحذفت النون تخفيفاً كقوله تعالى : { كالذي خاضوا } ( التوبة : 69 ) قال ابن عادل : وهذا وهم إذ لو قصد ذلك لجاء بعده ضمير الجمع فكان يقال : والذي جاؤوا كقوله تعالى : { كالذي خاضوا } ويدل عليه أن نون التثنية إذا حذفت عاد الضمير مثنى كقوله :

أبني كليب إن عميّ اللذا *** قتلا الملوك وفككا الأغلالا

وقال ابن عباس رضي الله عنهما : والذي جاء بالصدق يعني : رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بلا إله إلا الله وصدق به الرسول أيضاً بلغه إلى الخلق . وقال السدي : والذي جاء بالصدق جبريل عليه السلام جاء بالقرآن وصدق به محمد صلى الله عليه وسلم تلقاه بالقبول ، وقال أبو العالية والكلبي : والذي جاء بالصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدق به أبو بكر رضي الله عنه ، وقال عطاء : والذي جاء بالصدق الأنبياء وصدق به الأتباع ، وقال الحسن : هم المؤمنون صدقوا به في الدنيا وجاؤوا به في الآخرة .