مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدۡقِ وَصَدَّقَ بِهِۦٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ} (33)

وقوله { والذى جَاء بالصدق وَصَدَّقَ بِهِ } وما هو إلا بيان وتفسير للذين تكون بينهم الخصومة . { كَذَبَ علَى الله } افترى عليه بإضافة الولد والشريك إليه { وَكَذَّبَ بالصدق } بالأمر الذي هو الصدق بعينه وهو ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم { إِذْ جَآءَهُ } فاجأه بالتكذيب لما سمع به من غير وقفة لإعمال روية أو اهتمام بتمييز بين حق وباطل كما يفعل أهل النصفة فيما يسمعون { أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ مَثْوًى للكافرين } أي لهؤلاء الذين كذبوا على الله وكذبوا بالصدق . واللام في { للكافرين } إشارة إليهم { والذى جَآءَ بالصدق وَصَدَّقَ بِهِ } هو رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بالحق وآمن به وأراد به إياه ومن تبعه كما أراد بموسى إياه وقومه في قوله { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا موسى الكتاب لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } [ المؤمنون : 49 ] فلذا قال تعالى { أُوْلَئِكَ هُمُ المتقون } وقال الزجاج : رُوي عن علي رضي الله عنه أنه قال : والذي جاء بالصدق محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذي صدق به أبو بكر الصديق رضي الله عنه . ورُوي أن الذي جاء بالصدق محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذي صدق به المؤمنون ، والكل صحيح كذا قاله . قالوا : والوجه في العربية أن يكون «جاء » و «صدق » لفاعل واحد لأن التغاير يستدعي إضمار الذي ، وذا غير جائز ، أو إضمار الفاعل من غير تقدم الذكر وذا بعيد .