ولما ذكر ( الله ) من افترى على الله الكذب أو كذب بالحق ذكر مقابلهُ وهو الذي جاء بالصِّدْق وصدَّق به ، وقوله : { والذي جَآءَ بالصدق } لفظ مفرد ، ومعناه جَمْع{[47443]} لأنه أريد به الجنسُ ، وقيل : لأنه قصد به الجزاء وما كان كذلك كثر فيه وقوع : «الذي » موقع «الذين » ولذلك رُوعِيَ معناه فجمع في قوله : { أولئك هُمُ المتقون } كما روعي معنى «مَنْ » في قوله : { لِّلْكَافِرِينَ } فإن «الكافرين » ظاهر واقعٌ مَوْقع المضمر ؛ إذ الأصل مَثْوّى لَهُمْ{[47444]} . وقيل : بل الأصل : والذين جاء بالصدق فحذفت النون تخفيفاً كقوله : { كالذي خاضوا } [ التوبة : 69 ] وهذا وَهَم ؛ إذٍ لو قصد ذلك لجاء بعده ضمير الجمع فكان يقال : والِّذِي جَاءُوا ، كقوله : { كالذي خاضوا }{[47445]} [ التوبة : 69 ] . ويدل عليه أن نون التثنية إذا حذفت عاد الضمير مثنًّى كقوله :
4300- أَبَنِي كُلَيْبٍ إنَّ عَمَّيَّ اللَّذَا . . . قَتَلاَ الْمُلُوكَ وَفَكَّكَا الأَغْلاَلاَ{[47446]}
ولَجَاء{[47447]} كقوله :
4301- [ و ] إنَّ الِّذِي حَانَتْ بِفلْجٍ دَمَاؤُهُمْ . . . هُمُ القَوْمُ كُلُّ الْقَوْمِ يَا أُمَّ خَالِدِ{[47448]}
وقرأ عبد الله : «والَّذِي جَاءُوا بالصِّدْقِ وَصَدَّقُوا بِهِ »{[47449]} . وقد تقدم تحقيق نظير هذه الآية في أوائل البقرة وغيرها : وقيل : «الذي » صفة لموصوف محذوف بمعنى{[47450]} الجمع تقديره والفريق أو الفوج ، ولذلك قال : { أولئك هُمُ المتقون } . وقيل : المراد بالذي واحد{[47451]} بعينه وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - ولكن لما كان المراد هو وأتباعه اعتبر ذلك فجمع فقال : { أولئك هُمُ } كقوله : { وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى الكتاب لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } [ المؤمنون : 49 ] قاله الزمخشري{[47452]} ، وعبارته : هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرد به إياهُ وَمَنْ تَبِعَهُ كما أراد بموسى إياهُ وَقَوْمَهُ{[47453]} ، وناقشه أبو حيان في إيقاعِ الضمير المنفصل موقع المتصل ، قال : وإصلاحه أن يقول : وأراده به كما أرادهُ بموسى وقومه{[47454]} ، قال شهاب الدين : ولا مناقشة لأنه مع تقديم «به » و «بموسى » لغرض من الأغراض استحال اتِّصال الضمير ، وهذا كالبحث في قَوِلِهِ تعالى : { وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ }{[47455]} [ النساء : 131 ] وقوله : { يُخْرِجُونَ الرسول وَإِيَّاكُمْ } [ الممتحنة : 1 ] وهو أن بعض الناس زعم أنه يجوز الانفصال مع القدرة على الاتصال . وتقدم الجواب بقريب مما ذكرنا هَهنا ، وتقدم بيان حكمة التقديم ثمة . وقول الزمخشري إن الضمير في : «لعلهُمْ يَهْتَدُونَ » لموسى وقومه فيه نظر بل الظاهر خصوص الضمير بقومه دونه لأنهم هم المطلوب منهم الهداية ، وأما موسى- عليه ( الصلاة و ) السلام- فمهتدٍ ثابتٌ على الهداية{[47456]} وقال الزمخشري أيضاً : ويجوز أن يريد : والفوج أو الفريقَ الذي جاء بالصدق وصدق به وهم الرسول الذي جاء بالصدق وصحابته الذين صدقوا به{[47457]} . قال أبو حيان : وفيه توزيع للصّلة ، والفوجُ هو الموصول فهو كقولك : «جَاءَ الفَريقُ الَّذي شَرف وشرف » والأظهر عدم التوزيع بل المعطوف على الصلة صلة لمن له الصلة الأولى{[47458]} .
وقرأ أبو صَالِح{[47459]} وعكرمةُ بنُ سُلَيْمَانَ{[47460]} ومحمد بن جَحَادَةَ{[47461]} مخففاً{[47462]} بمعنى صدق فيه ولم يغيره بل أداه من غير تحريف ، وقُرِئَ : «وَصُدِّقَ بِهِ » مشدِّداً مبنياً للمفعول{[47463]} .
المعنى فمن أظلم ممن كذب على الله فزعم أن له ولداً وشريكاً وكذَّب بالصِّدْق بالقرآن ، أو بمحمد إذْ جَاءَهُ ، ثم قال { والذي جَآءَ بالصدق } قال ابن عباس : والَّذِي جاء بالصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصَدَّق به محمد - صلى الله عليه وسلم - تلقّاه بالقبول ، وقال أبو العالية والكلبي : والذي جاء بالصدق : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصدق به : أبو بكر - رضي الله عنه- وقال قتادة : والذي جاء بالصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصدق به : هم المؤمنون لقوله : { أولائك هُمُ المؤمنون } [ الأنفال : 4 ] . وقال عطاء والذي جاء بالصدق : الأنبياء وصدق به : الأتباع وحينئذ يكون «الَّذي » بمعنى «الَّذِينَ » كقوله : { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الذي استوقد نَاراً فَلَمَّآ أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ } [ البقرة : 17 ] . وقال الحسن : هم المؤمنون صدقوا به في الدنيا وجاءوا به في الآخرة{[47464]} ، { أولئك هُمُ المتقون . لهم ما يشاءون عند ربهم } . وهذا لا يفيد{[47465]} العبدية بمعنى الجهة والمكان بل بمعنى الإخلاص ، كقوله : { عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ } [ القمر : 55 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.