فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدۡقِ وَصَدَّقَ بِهِۦٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ} (33)

ثم ذكر سبحانه فريق المؤمنين المصدقين فقال : { وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ( 33 ) } .

{ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } الموصول في موضع رفع بالابتداء وهو عبارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن تابعه . وقيل الذي جاء بالصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذي صدق به أبو بكر ، قاله علي بن أبي طالب ، وعن أبي هريرة مثله ، وقال مجاهد الذي جاء بالصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذي صدق به علي بن أبي طالب .

وقال السدي الذي جاء بالصدق جبريل ، والذي صدق به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال قتادة ومقاتل وابن زيد الذي جاء بالصدق النبي صلى الله عليه وسلم والذي صدق به المؤمنون . وقال النخعي الذي جاء بالصدق وصدق به هم المؤمنون الذين يجيئون بالقرآن يوم القيامة .

وقيل إن ذلك عام في كل من دعا إلى توحيد الله وأرشد إلى ما شرعه لعباده ، واختار هذا ابن جرير وهو الذي اختاره من هذه الأقوال ، ويؤيده قراءة ابن مسعود ، والذين جاؤوا بالصدق وصدقوا به ، وقرئ صدق به بالتخفيف ، أي صدق به الناس ، قال ابن عباس الذي جاء بالصدق يعني بلا إله إلا الله وصدق به يعني برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقيل الذي جاء بالصدق هو جبريل جاء بالقرآن وصدق به محمد صلى الله عليه وآله وسلم . وقيل الذي جاء بالصدق الأنبياء وصدق به الأتباع والكل صحيح .

قالوا والوجه في العربية أن يكون جاء وصدق لفاعل واحد ، لأن التغاير يستدعي إضمار الذي وذا غير جائز وإضمار الفاعل من غير تقدم الذكر وذا بعيد . ولفظ الذي كما وقع في قراءة الجمهور وإن كان مفردا فمعناه الجمع لأنه يراد به الجنس كما يفيده قوله { أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } أي المتصفون بالتقوى التي هي عنوان النجاة ، قال ابن عباس : يعني اتقوا الشرك :