الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدۡقِ وَصَدَّقَ بِهِۦٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ} (33)

ثم قال تعالى : { والذي جاء بالصدق وصدق به } ( الذي ) هنا واحد يدل على الجمع{[58947]} .

وقيل : كان أصله : ( الذين ) ، فحذفت النون لطول الاسم{[58948]} .

وقيل : ( الذي ) للواحد{[58949]} وهو النبي صلى الله عليه وسلم ، جاء ب ( لا إله إلا الله ) وصدق بذلك : هذا قول ابن عباس{[58950]} .

وقال مجاهد : جاء محمد بالقرآن وصدّق به ، وقاله الشعبي{[58951]} .

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : الذي جاء بالصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدّق به أبو بكر رضي الله عنه{[58952]} .

وقال قتادة : الذي جاء بالصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بالقرآن والإٍسلام وصدّق به يعني المؤمنين ، وكذلك قال ابن زيد{[58953]} وقال السدي : الذي جاء بالصدق : جبريل صلى الله عليه وسلم{[58954]} ، جاء بالقرآن من عند الله وصدّق به{[58955]} ، يعني : محمدا صلى الله عليه وسلم{[58956]} .

وقال مجاهد : { والذي جاء بالصدق وصدق به } هم : المؤمنون يجيئون بالقرآن يوم القيامة ، يقولون : هذا الذي أعطيتمونا قد اتبعنا ما فيه{[58957]} .

وعن مجاهد أيضا : ( والذي جاء بالصدق ){[58958]} يعني محمدا صلى الله عليه وسلم ( وصدق به ) يعني علي بن أبي طالب رضي الله عنه{[58959]} ، وقيل : هو أبو بكر رضي الله عنه{[58960]} وأصحابه{[58961]} .

فمن جعله لجماعة استدل بقوله : { أولئك هم المتقون }{[58962]} .

ومن جعله لواحد حسن عنده ( أولئك ) بعد{[58963]} الواحد ، لأن الجليل القدر يخبر عنه بلفظ الجماعة .

وقرأ أبو صالح{[58964]} : ( وصدق به ){[58965]} بالتخفيف{[58966]} ، ( يعني به النبي صلى الله عليه وسلم .

والباء بمعنى : في . والمعنى : جاء بالقرآن وصدق فيه{[58967]} .

واختار الطبري أن يحمل على العموم{[58968]} ، فيكون معنى : والذي جاء بالصدق كل{[58969]} من دعا إلى توحيد الله عز وجل والعمل بطاعته ، ويكون الصدق : القرآن والتوحيد والشرائع ، والمصدق : المؤمنون والأنبياء وغيرهم من جميع من صدق به .

ودل على هذا العموم ما قبله من العموم في قوله : { فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق } فهذا عام في جميع المكذبين بالقرآن والتوحيد والشرائع ، وفي جميع الكاذبين على الله سبحانه فكذلك يجب أن يكون التصديق عقيبه عاما في جميع المصدقين والصادقين فيترتب الشيء وضده على نظام واحد لأن الذين كانوا عند بعث النبي صلى الله عليه وسلم قوم مكذبون لما أتاهم به كاذبون على الله سبحانه ، ثم أعقبهم من آمن قوم مصدقون بما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم صادقون في قولهم .

في قراءة ابن مسعود : ( والذين جاءوا بالصدق وصدقوا به بالجمع ){[58970]} .


[58947]:وقال بهذا أيضا أبو عبيدة 2/190، والزجاج في معانيه 4/354.
[58948]:انظر: المحرر الوجيز 14/84.
[58949]:(ح): الواحد.
[58950]:انظر: جامع البيان 24/3، والمحرر الوجيز 14/84.
[58951]:أورده ابن كثير في تفسيره عن مجاهد فقط 4/54.
[58952]:انظر: جامع البيان 24/3 والمحرر الوجيز 14/84، وجامع القرطبي 15/256.
[58953]:انظر: جامع البيان 24/3، والمحرر الوجيز 14/85، وجامع القرطبي 15/256، وتفسير ابن كثير 4/54.
[58954]:(ح): عليه السلام.
[58955]:فوق السطر في (ح).
[58956]:(ح): محمد. انظر: جامع البيان 24/3، وتفسير ابن كثير 4/54.
[58957]:انظر: جامع البيان 24/3، والمحرر الوجيز 14/85، وجامع القرطبي 15/256، وتفسير ابن كثير 4/54.
[58958]:في طرة (ح).
[58959]:انظر: جامع القرطبي 15/256.
[58960]:في طرة (ح).
[58961]:قاله علي بن أبي طالب، انظر: الدر المنثور 7/228.
[58962]:الذي جعله كذلك هو الأخفش في معانيه 2/672.
[58963]:(ح): عند.
[58964]:هو ذكوان السمان الزيات أبو صالح المدنى مولى جويرية بنت الأحمس الغطفاني من أجل الناس وأوثقهم. روى عن أبي هريرة وعائشة وغيرهما، وروى عنه بنوة: سهيل وعبد الله وصالح، وروى عنه عطاء بن أبي رباح. وثقة أحمد وخرج له الجماعة. توفي سنة 101 هـ. انظر: تهذيب التهذيب 3/291 ت 417.
[58965]:ساقط من (ح).
[58966]:انظر: جامع القرطبي 15/256. وأضاف ابن عطية قراءته في المحرر الوجيز إلى محمد بن جمادة وعكرمة بن سليمان 14/85.
[58967]:ساقط من ح.
[58968]:انظر: جامع البيان 24/4.
[58969]:(ح): وكل.
[58970]:انظر: جامع البيان 4/24، والمحرر الوجيز 14/84، وجامع القرطبي 15/256 إلا أن المحرر الوجيز فيه: (والذي جاءوا...) ولعله خطأ. والله أعلم.