{ ولا يزال الذين كفروا في مرية منه } أي : في شك مما ألقى الشيطان على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون : ما باله ذكرها بخير ثم ارتد عنها . وقال ابن جريج : منه . أي من القرآن . وقيل : من الدين ، وهو الصراط المستقيم . { حتى تأتيهم الساعة بغتةً } يعني : القيامة . وقيل : الموت { أو يأتيهم عذاب يوم عقيم } قال الضحاك و عكرمة ( عذاب يوم ) لا ليلة له ، وهو يوم القيامة . والأكثرون على أن اليوم العقيم يوم بدر ، لأنه ذكر الساعة من قبل وهو يوم القيامة . وسمي يوم بدر عقيماً لأنه لم يكن في ذلك اليوم للكفار خير ، كالريح العقيم التي لا تأتي بخير ، سحاب ولا مطر ، والعقم في اللغة : المنع ، يقال : رجل عقيم إذا منع من الولد . وقيل لأنه لا مثل له في عظم أمره لقتال الملائكة فيه . وقال ابن جريج : لأنهم لم ينظروا فيه إلى الليل حتى قتلوا قبل المساء .
ثم بين - سبحانه - أن الكافرين سيستمرون على شكهم فى القرآن حتى تأتيهم الساعة ، وأنه - تعالى - سيحكم بين الناس يوم القيامة ، فيجازى الذين أساءوا بما عملوا . ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى . فقال - عز وجل - : { وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ . . . } .
قال الجمل : " لما ذكر - سبحانه - حال الكافرين أولا ، ثم حال المؤمنين ثانيا ، عاد إلى شرح حال الكافرين ، فهو رجوع لقوله : { وَإِنَّ الظالمين لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } والمرية بالكسر والضم . لغتان مشهورتان .
والضمير فى قوله : { مِّنْهُ } يعود إلى القرآن الكريم ، أو إلى ما جاء به الرسول من عند ربه ، وقيل إلى ما ألقاه الشيطان .
وقد رجح ابن جرير كونه للقرآن فقال : وأولى الأقوال فى ذلك بالصواب قول من قال : هى كناية من ذكر القرآن الذى أحكم الله آياته وذلك أن ذلك من ذكر قوله : { وَلِيَعْلَمَ الذين أُوتُواْ العلم . . } أقر منه من ذكر قوله { فَيَنسَخُ الله مَا يُلْقِي الشيطان . . } والمعنى ولا يزال الذين كفروا فى شك وريب مما أوحاه الله إليك من قرآن ، بسبب قسوة قلوبهم ، واستيلاء الجحود والعناد على نفوسهم .
وسيستمرون على هذه الحال { حتى تَأْتِيَهُمُ الساعة } أى : القيامة { بَغْتَةً } أى : فجأة { أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ } أى : لا مثل له فى هوله وشدة عذابه ولا يوم بعده ، إذ كل يوم يلد ما بعده عن الأيام إلا هذا اليوم وهو يوم القيامة فإنه لا يوم بعده .
قال ابن كثير : " وقوله : { أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ } قال مجاهد : قال أبى بن كعب : هو يوم بدر .
وكذا قال عكرمة وسعيد بن جبير وقتادة وغير واحد واختاره ابن جرير .
وفى رواية عن عكرمة ومجاهد هو يوم القيامة لا ليلة له ، وكذا قال الضحاك والحسن .
وهذا القول هو الصحيح ، وإن كان يوم بدر من جملة ما أوعدوا به ، لكن هذا هو المراد ، ولهذا قال : { الملك يَوْمَئِذٍ للَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } كقوله : { مالك يَوْمِ الدين }
يقول تعالى مخبرًا عن الكفار : أنهم لا يزالون في مرية ، أي : في شك وريب من هذا القرآن ، قاله ابن جريج ، واختاره ابن جرير .
وقال سعيد بن جبير ، وابن زيد : { مِنْهُ } أي : مما ألقى الشيطان .
{ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً } : قال مجاهد : فجأة . وقال قتادة : { بَغْتَةً } ، بغت [ القوم ]{[20378]} أمر الله ، وما أخذ الله قومًا قط إلا عند سكرتهم وغرتهم ونعمتهم ، فلا تغتروا بالله ، إنه لا يغتر بالله{[20379]} إلا القوم الفاسقون .
لمّا حكى عن الذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم أن ما يلقيه لهم الشيطان من إبطال ما جاءت به الرّسل يكون عليهم فتنة . خصّ في هذه الآية الكافرين بالقرآن بعد أن عمّهم مع جملة الكافرين بالرسل ، فخصّهم بأنهم يستمر شكّهم فيما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ويترددون في الإقدام على الإسلام إلى أن يُحال بينهم وبينه بحلول الساعة بغتة أو بحلول عذاب بهم قبل الساعة ، فالذين كفروا هنا هم مشركو العرب بقرينة المضارع في فعل { لا يزال } وفعل { حتى تأتيهم } الدّالين على استمرار ذلك في المستقبل .
ولأجل ذلك قال جمع من المفسرين : إن ضمير { في مرية منه } عائد إلى القرآن المفهوم من المقام ، والأظهر أنه عائد إلى ما عاد عليه ضمير { أنه الحق من ربك فيؤمنوا به } [ الحج : 54 ] .
و { الساعة } علَم بالغلبة على يوم القيامة في اصطلاح القرآن ، واليوم : يوم الحرب ، وقد شاع إطلاق اسم اليوم على وقت الحرب . ومنه دُعيت حروب العرب المشهورة « أيام العرب » .
والعقيم : المرأة التي لا تلد ؛ استعير العقيم للمشؤوم لأنهم يُعدّون المرأة التي لا تلد مشؤومة .
فالمعنى : يأتيهم يوم يُستأصلون فيه قتلاً : وهذا إنذار بيوم بدر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.