معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ إِنِ ٱسۡتَطَعۡتُمۡ أَن تَنفُذُواْ مِنۡ أَقۡطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ فَٱنفُذُواْۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلۡطَٰنٖ} (33)

قوله تعالى : { فبأي آلاء ربكما تكذبان* يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا } أي : تجوزوا وتخرجوا ، { من أقطار السماوات والأرض } أي من جوانبهما وأطرافهما ، { فانفذوا } معناه إن استطعتم أن تهربوا من الموت بالخروج من أقطار السماوات والأرض : فاهربوا واخرجوا منها . والمعنى : حيث ما كنتم أدرككم الموت ، كما قال جل ذكره : { أينما تكونوا يدرككم الموت }( النساء-78 ) وقيل : يقال لهم هذا يوم القيامة إن استطعتم أن تجوزوا أطراف السماوات والأرض فتعجزوا ربكم حتى لا يقدر عليكم فجوزوا . { لا تنفذون إلا بسلطان } أي : بملك . وقيل : بحجة ، والسلطان القوة التي يتسلط بها على الأمر ، فالملك والقدرة والحجة كلها سلطان ، يريد حيثما توجهتم كنتم في ملكي وسلطاني . وروي عن ابن عباس قال : معناه : إن استطعتم أن تعلموا ما في السماوات والأرض فاعلموا ولن تعلموه إلا بسلطان أي : بينة من الله عز وجل . وقيل قوله : { إلا بسلطان } أي : إلى سلطان كقوله : { قد أحسن بي } ( يوسف-100 ) أي : إلي . { فبأي آلاء ربكما تكذبان } وفي الخبر : يحاط على الخلق بالملائكة وبلسان من نار ثم ينادون : { يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا } الآية . فذلك قوله عز وجل : { يرسل عليكما شواظ من نار } .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ إِنِ ٱسۡتَطَعۡتُمۡ أَن تَنفُذُواْ مِنۡ أَقۡطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ فَٱنفُذُواْۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلۡطَٰنٖ} (33)

وقوله - سبحانه - : { يامعشر الجن والإنس إِنِ استطعتم أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ السماوات والأرض فانفذوا . . . } مقول لقول محذوف ، دل عليه ما قبله .

والمعشر - برنة مفعل - اسم للجمع الكثير الذى يعد عشرة فعشرة .

وقوله : { تَنفُذُواْ } من النفاذ بمعنى الخروج من الشىء ، والأمر منه وهو قوله : { فانفذوا } مستعمل فى التعجيز . والأقطار : جمع قطر - بضم القاف وسكون الطاء - وهو الناحية الواسعة .

والمعنى : سنقصد إلى محاسبتكم ومجازاتكم على أعمالكم يوم القيامة ، وسنقول لكم على سبيل التعجيز والتحدى . يا معشر الجن والإنس ، إن استطعتم أن تنفذوا وتخرجوا من جوانب السموات والأرض ومن نواحيهما المتعددة . فانفذوا واخرجوا ، و خلصوا أنفسكم من المحاسبة والمجازاة .

وجملة : { لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ } بيان للتعجيز المتمثل فى قوله - تعالى - : { فانفذوا } ، والسلطان المراد به هنا : القدرة والقوة .

أى : لا تنفذون من هذا الموقف العصيب الذى أنتم فيه إلا بقدرة عظيمة ، وقوة خارقة ، تزيد على قوة خالقكم الذى جعلكم فى هذا الموقف ، وأنى لكم هذه القوة التى أنتم أبعد ما تكونون عنها ؟

فالمقصود بالآية الكريمة ، تحذير الفاسقين والكافرين ، من التمادى فى فسقهم وكفرهم ، وبيان أنهم سيكونون فى قبضة الله - تعالى - وتحت سلطانه ، وأنهم لن يستطيعوا الهروب ن قبضته وقضائه فيهم بحمكه العالد .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { فَإِذَا بَرِقَ البصر وَخَسَفَ القمر وَجُمِعَ الشمس والقمر يَقُولُ الإنسان يَوْمَئِذٍ أَيْنَ المفر كَلاَّ لاَ وَزَرَ إلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المستقر

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ إِنِ ٱسۡتَطَعۡتُمۡ أَن تَنفُذُواْ مِنۡ أَقۡطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ فَٱنفُذُواْۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلۡطَٰنٖ} (33)

ثم قال : { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ } أي : لا تستطيعون هربا من أمر الله وقدره ، بل هو محيط بكم ، لا تقدرون على التخلص من حكمه ، ولا النفوذ عن حكمه فيكم ، أينما ذهبتم أحيط بكم ، وهذا في مقام المحشر ، الملائكة محدقة بالخلائق ، سبع صفوف من كل جانب ، فلا يقدر أحد على الذهاب { إِلا بِسُلْطَانٍ } أي : إلا بأمر الله ، { يَقُولُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ . كَلا لا وَزَرَ . إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ } [ القيامة : 10 - 12 ] . وقال تعالى : { وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [ يونس : 27 ] ؛

ولهذا قال : { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنْتَصِرَانِ } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ إِنِ ٱسۡتَطَعۡتُمۡ أَن تَنفُذُواْ مِنۡ أَقۡطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ فَٱنفُذُواْۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلۡطَٰنٖ} (33)

هذا مقول قول محذوف يدل عليه سياق الكلام السابققِ واللاحق ، وليس خطاباً للإِنس والجنّ في الحياة الدنيا . والتقدير : فنقول لكم كما في قوله تعالى : { ويوم نحشرهم جميعاً يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس } [ الأنعام : 128 ] الآية ، أي فنقول : يا معشر الجن قد استكثرتم من الإِنس ، وتقدم في سورة الأنعام .

والمعشر : اسم للجمع الكثير الذي يُعد عشرةً عشرةً دون آحاد .

وهذا إعلان لهم بأنهم في قبضة الله تعالى لا يجدون منجىً منها ، وهو ترويع للضالين والمضلّين من الجن والإِنس بما يترقبهم من الجزاء السيّء لأن مثل هذا لا يقال لجمع مختلط إلا والمقصود أهل الجناية منهم فقوله : { يا معشر الجن والإنس } عام مراد به الخصوص بقرينة قوله بعده { يرسل عليكما شواظ } [ الرحمن : 35 ] الخ .

والنفوذ والنفاذ : جواز شيء عن شيء وخروجُه منه . والشرط مستعمل في التعجيز ، وكذلك الأمر الذي هو جواب هذا الشرط من قوله : { فانفذوا } ، أي وأنتم لا تستطيعون الهروب .

والمعنى : إن قَدَرْتُم على الانفلات من هذا الموقف فافلتوا . وهذا مؤذن بالتعريض بالتخويف مما سيظهر في ذلك الموقف من العقاب لأهل التضليل .

والأقطار : جمع قُطر بضم القاف وسكون الطاء وهو الناحية الواسعة من المكان الأوسع ، وتقدم في قوله تعالى : { ولو دخلت عليهم من أقطارها } في سورة الأحزاب ( 14 ) .

وذكر السماوات والأرض لتحقيق إحاطة الجهات كلها تحقيقاً للتعجيز ، أي فهذه السماوات والأرض أمامكم فإن استطعتم فاخرجوا من جهة منها فراراً من موقفكم هذا ، وذلك أن تعدد الأمكنة يسهل الهروب من إحدى جهاتها .

والأرض المذكورة هنا إما أن تكون الأرض التي في الدنيا وذلك حين البعث ، وإما أن تكون أرض الحشر وهي التي سماها القرآن الساهرة في سورة النازعات ( 14 ) ، وقال تعالى : { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات } [ إبراهيم : 48 ] ، وإما أن يكون ذلك جارياً مجرى المثل المستعمل للمبالغة في إحاطة الجهات كقول أبي بكر الصديق : « أيُّ أرض تقلني ، وأيُّ سماء تُظلني » .

وهذه المعاني لا تتنافى ، وهي من حدّ إعجاز القرآن .

وجملة { لا تنفذون إلاَّ بسلطان } بيان للتعجيز الذي في الجملة قبله فإن السلطان : القدرة ، أي لا تنفذون من هذا المأزق إلا بقدرة عظيمة تفوق قدرة الله الذي حشركم لهذا الموقف ، وأنَّى لكم هاته القوة .

وهذا على طريق قوله : { وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون } [ الشعراء : 210 ، 211 ] ، أي ما صعدوا إلى السماء فيتنزَّلوا به .