المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ إِنِ ٱسۡتَطَعۡتُمۡ أَن تَنفُذُواْ مِنۡ أَقۡطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ فَٱنفُذُواْۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلۡطَٰنٖ} (33)

واختلف الناس في معنى قوله : { إن استطعتم أن تنفذوا } الآية ، فقال الطبري ، قال قوم : في الكلام محذوف وتقديره : يقال لكم { يا معشر الجن والإنس } ، قالوا وهذه حكاية عن حال يوم القيامة في { يوم التنادّ } [ غافر : 32 ] على قراءة من شدد الدال{[10831]} . قال الضحاك : وذلك أنه يفر الناس في أقطار الأرض ، والجن كذلك ، لما يرون من هول يوم القيامة ، فيجدون سبعة صفوف من الملائكة قد أحاطت بالأرض ، فيرجعون من حيث جاؤوا ، فحينئذ يقال لهم : { يا معشر الجن والإنس } . وقال بعض المفسرين : بل هي مخاطبة في الدنيا . والمعنى : { إن استطعتم } الفرار من الموت ب { أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض } . وقال ابن عباس المعنى : إن استطعتم بأذهانكم وفكركم أن تنفذوا فتعلموا علم أقطار السماوات والأرض . والأقطار : الجهات .

وقوله : { فانفذوا } صيغة الأمر ومعناه التعجيز ، والسلطان هنا القوة على غرض الإنسان ، ولا يستعمل إلا في الأعظم من الأمر والحجج أبداً من القوي في الأمور ، ولذلك يعبر كثير من المفسرين عن السلطان بأنه الحجة . وقال قتادة : السلطان هنا الملك ، وليس لهم ملك .


[10831]:وذلك في قوله تعالى في الآية(32) من سورة (غافر):{ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد}.