فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ إِنِ ٱسۡتَطَعۡتُمۡ أَن تَنفُذُواْ مِنۡ أَقۡطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ فَٱنفُذُواْۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلۡطَٰنٖ} (33)

{ يا معشر الجن والإنس } هو كالترجمة لقوله : { أيها الثقلان } ، قدم الجن هنا لكون خلق أبيهم متقدما على خلق آدم ، ولوجود جنسهم قبل جنس الإنس ، وهذا الخطاب يقال لهما في الآخرة ، وقيل : في الدنيا ، ويرجح كونه في الآخرة قوله : { يرسل عليكما } الخ فإن هذا الإرسال إنما هو في القيامة ، كما سيأتي ، وكذا قوله : فإذا انشقت السماء .

{ إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض } أي إن قدرتم أن تخرجوا من جوانبهما ونواحيهما وأطرافهما هربا من قضاء الله وقدره { فانفذوا } منها وخلصوا أنفسكم واهربوا واخرجوا ، فحيثما كنتم يدرككم الموت ، يقال : نفذ الشيء من الشيء إذا خلص منه كما يخلص السهم ، والأمر بالنفوذ أمر تعجيز .

{ لا تنفذوا إلا بسلطان } أي لا تقدرون على النفوذ إلا بقوة وقهر ، ولا قهر ولا قوة لكم على ذلك ولا قدرة ، والسلطان القوة التي يتسلط بها صاحبها على الأمر ، قال الضحاك : بينما الناس في أسواقهم إذا انفتحت السماء ونزلت الملائكة ، فهرب الجن والإنس ، فتحدق بهم الملائكة ، فذلك قوله { لا تنفذون إلا بسلطان } ذكره النحاس وعلى هذا يكون في الدنيا قال ابن المبارك : إن ذلك يكون في الآخرة وقال الضحاك أيضا : معنى الآية إن استطعتم أن تهربوا من الموت فاهربوا ، وقيل : إن استطعتم أن تعلموا ما في السموات والأرض فاعلموه ، ولن تعلموه إلا بسلطان أي ببينة من الله وقال قتادة : معناها لا تنفذون إلا بملك وليس لكم ملك وقيل : الباء بمعنى إلى أي ، لا تنفذون إلا إلى سلطان ، وقال ابن عباس : لا تخرجون من سلطاني .