البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ إِنِ ٱسۡتَطَعۡتُمۡ أَن تَنفُذُواْ مِنۡ أَقۡطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ فَٱنفُذُواْۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلۡطَٰنٖ} (33)

والنفوذ : الخروج من الشيء بسرعة .

والظاهر أن قوله : { يا معشر } الآية من خطاب الله إياهم يوم القيامة ، { يوم التناد } وقيل : يقال لهم ذلك .

قال الضحاك : يفرون في أقطار الأرض لما يرون من الهول ، فيجدون الملائكة قد أحاطت بالأرض ، فيرجعون من حيث جاءوا ، فحينئذ يقال لهم ذلك .

وقيل : هو خطاب في الدنيا ، والمعنى : إن استطعتم الفرار من الموت .

وقال ابن عباس : { إن استطعتم } بأذهانكم وفكركم ، { أن تنفذوا } ، فتعلمون علم { أقطار } : أي جهات { السماوات والأرض } .

قال الزمخشري : { يا معشر الجن والإنس } ، كالترجمة لقوله : { أيها الثقلان } ، { إن استطعتم } أن تهربوا من قضائي ، وتخرجوا من ملكوتي ومن سمائي وأرضي فافعلوا ؛ ثم قال : لا تقدرون على النفوذ { إلا بسلطان } ، يعني : بقوة وقهر وغلبة ، وأنى لكم ذلك ، ونحوه : { وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء } انتهى .

{ فانفذوا } : أمر تعجيز .

وقال قتادة : السلطان هنا الملك ، وليس لهم ملك .

وقال الضحاك أيضاً : بينما الناس في أسواقهم ، انفتحت السماء ونزلت الملائكة ، فتهرب الجن والإنس ، فتحدق بهم الملائكة .

وقرأ زيد بن علي : إن استطعتما ، على خطاب تثنية الثقلين ومراعاة الجن والإنس ؛ والجمهور : على خطاب الجماعة إن استطعتم ، لأن كلاً منهما تحته أفراد كثيرة ، كقوله : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا }