قوله تعالى : { وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طيناً } أي : خلقته من طين أنا جئت به ، وذلك ما روي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : أن الله تعالى بعث إبليس حتى أخذ كفاً من تراب الأرض من عذبها وملحها ، فخلق منه آدم ، فمن خلقه من العذب فهو سعيد ، وإن كان ابن كافرين ، ومن خلقه من الملح فهو شقي وإن كان ابن نبي .
وقوله - سبحانه - : { وَإِذْ قُلْنَا للملائكة اسجدوا لأَدَمََ . . . } تذكير لبنى آدم بما جرى بين أبيهم وبين إبليس ، ليعتبروا ويتعظوا ، ويستمروا على عداوتهم لإِبليس وجنده .
أى : واذكروا - يا بنى آدم - وقت أن قلنا للملائكة { اسجدوا لآدم } سجود تحية وتكريم ، فسجدوا امتثالاً لأمر الله - تعالى - ، بدون تردد أو تلعثم ، { إلا إبليس } فإنه أبى السجود لآدم - عليه السلام - { وقال } بتكبر وعصيان لأمر ربه - عز وجل - : { أأسجد } وأنا المخلوق من نار { لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً } أى : أأسجد لمن خلقته من طين ، مع أننى أفضل منه .
والتعبير بقوله { فسجدوا } بفاء التعقيب ، يفيد أن سجودهم - عليهم السلام - كان فى أعقاب أمر الله - تعالى - لهم مباشرة ، بدون تأخير أو تسويف .
وقوله - تعالى - : { قال أأسجد . . . } استئناف بيانى ، فكأنه قيل : فماذا كان موقف إبليس من هذا الأمر ؟ فكان الجواب أن إبليس فسق عن أمر ربه وقال ما قال .
والاستفهام فى { أأسجد } للإِنكار والتعجب ، لأن يرى - لعنه الله - أنه أفضل من آدم .
وقوله : { طينا } منصوب بنزع الخافض أى : من طين .
وقد جاء التصريح بإباء إبليس عن السجود لآدم ، بأساليب متنوعة ، وفى آيات متعددة ، منها قوله - تعالى - : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسجدوا لأَدَمََ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أبى واستكبر وَكَانَ مِنَ الكافرين } وقوله - تعالى - : { فَسَجَدَ الملائكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ أبى أَن يَكُونَ مَعَ الساجدين }
يذكر تعالى عَدَاوَةَ إبليس - لعنه الله - لآدم ، عليه السلام ، وذريته ، وأنها عداوة قديمة منذ خلق آدم ، فإنه تعالى أمر الملائكة بالسجود ، فسجدوا كلهم إلا إبليس استكبر وأبى أن يسجد له ؛ افتخارًا عليه واحتقارًا له { قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا } كما قال في الآية الأخرى : { أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ } [ الأعراف : 12 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لاَدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً * قَالَ أَرَأَيْتَكَ هََذَا الّذِي كَرّمْتَ عَلَيّ لَئِنْ أَخّرْتَنِ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأحْتَنِكَنّ ذُرّيّتَهُ إَلاّ قَلِيلاً } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : واذكر يا محمد تمادي هؤلاء المشركين في غيهم وارتدادهم عتوّا على ربهم بتخويفه إياهم تحقيقهم قول عدّوهم وعدوّ والدهم ، حين أمره ربه بالسجود له فعصاه وأبى السجود له ، حسدا واستكبارا لَئِنْ أخّرْتَنِ إلى يَوْمِ القِيامَةِ لأَحْتَنِكَنّ ذُرّيّتَه إلاّ قَلِيلاً وكيف صدّقوا ظنه فيهم ، وخالفوا أمر ربهم وطاعته ، واتبعوا أمر عدوّهم وعدوّ والدهم .
ويعني بقوله وَإذْ قُلْنا للْمَلائِكَةِ : واذكر إذ قلنا للملائكة اسْجُدُوا لاَدَمَ فَسَجَدُوا إلاّ إبْلِيسَ فإنه استكبر وقال أأسْجُدَ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينا يقول : لمن خلقته من طين فلما حذفت «مِن » تعلّق به قوله خَلَقْتَ فنصب ، يفتخر عليه الجاهل بأنه خُلِق من نار ، وخلق آدم من طين . كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : بعث ربّ العزّة تبارك وتعالى إبليس ، فأخذ من أديم الأرض ، من عذبها وملحها ، فخلق منه آدم ، فكل شيء خُلق من عذبها فهو صائر إلى السعادة وإن كان ابن كافرين ، وكلّ شيء خَلقه من مِلحها فهو صائر إلى الشقاوة وإن كان ابن نبيين ومن ثم قال إبليس أأسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينا : أي هذه الطينة أنا جئت بها ، ومن ثم سُمّي آدم . لأنه خُلق من أديم الأرض .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.