نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ قَالَ ءَأَسۡجُدُ لِمَنۡ خَلَقۡتَ طِينٗا} (61)

ولما تقدم أنهم استبعدوا الإعادة من أجل صيرورتهم بعد الموت رفاتاً ، وأخبر تعالى بقدرته على ذلك ولو صاروا إلى ما هو أعسر عندهم في الإعادة من الرفات بأن يكونوا حجارة أو حديداً ، وأشار إلى قدرته على التصرف بخرق العادة في الحديد بإلانته لعبد من عبيده ، ثم في الحجارة على سبيل الترقي في النشر المشوش بما هو أعجب من ذلك ، وهو إفاضة الحياة عليها لعبد آخر من عبيده ، أشار إلى تصرفه في التراب الذي هو نهاية الرفات الذي حملهم على الاستبعاد بما هو أعجب من كل ما تقدمه ، وذلك بإفاضة الحياة الكاملة بالنطق عليه من غير أن تسبق له حالة حياة أصلاً ، وذلك بخلق آدم عليه السلام الذي هو أصلهم ، مع ما في ذلك من حفظ السياق في التسلية بأن الآيات لا تنفع المحكوم بشقاوته وبأن آدم عليه السلام قد سلط عليه الحاسد واشتد أذاه له مع أنه صفي الله وأول أنبيائه ، مع البيان لأن أغلب أسباب الطغيان الحسد الذي حمل إبليس على ما فعل فقال تعالى : { إذ } أي واذكر أيضاً ما وقع من الطغيان مع رؤية الآيات في أول هذا الكون من إبليس الذي هو من أعلم الخلق بآيات الله وعظمته ، ثم ممن اتبعه من ذرية آدم عليه السلام بعد تحقق عداوته في مخالفة ربهم المحسن إليهم مع ادعاء ولايته إذ { قلنا } أي بما لنا من العظمة التي لا يعصي مرادها شيء { للملائكة } حين خلقنا أباكم آدم وفضلناه : { اسجدوا لآدم } امتثالاً لأمري { فسجدوا إلا إبليس } أبى أن يسجد لكونه ممن حقت عليه الكلمة ولم ينفعه ما يعلمه من قدرة الله وعظمته ، وذلك معنى قوله : { قال } أي لنا منكراً متكبراً : { ءأسجد } أي خضوعاً { لمن خلقت } حال كون أصله { طيناً * } فكفر بنسبته لنا إلى الجور وعدم الحكمة ، متخيلاً أنه أكرم من آدم عليه السلام من حيث إن الفروع ترجع إلى الأصول ، وأن النار التي هي أصله أكرم من الطين ، وذهب عليه إن الطين أنفع من النار فهو أكرم ، وعلى تقدير التنزل فإن الجواهر كلها من جنس واحد ، والله تعالى الذي أوجدها من العدم يفضل بعضها على بعض بما يحدث فيها من الأعراض ، كما تقدمت الإشارة إليه في{ ولقد فضلنا بعض النبيّن على بعض }[ الإسراء :55 ] .