إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ قَالَ ءَأَسۡجُدُ لِمَنۡ خَلَقۡتَ طِينٗا} (61)

{ وَإِذْ قُلْنَا للملائكة } تذكيرٌ لما جرى منه تعالى من الأمر ومن الملائكة من الامتثال والطاعةِ من غير تردد وتحقيقٍ لمضمون ما سبق من قوله تعالى : { أُولَئِكَ الذين يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبّهِمُ الوسيلة أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ ويخافون عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ كَانَ مَحْذُورًا } ويُعلم من حال الملائكةِ وحالِ غيرهم من عيسى وعُزيرٍ عليهما السلام في الطاعة وابتغاءِ الوسيلة ورجاءِ الرحمة ومخافةِ العذاب ، ومن حال إبليسَ حالُ من يعاند الحقَّ ويخالف الأمرَ ، أي واذكر وقت قولِنا لهم : { اسجدوا لآدم } تحيةً وتكريماً لما قاله من الفضائل المستوجِبة لذلك { فَسَجَدُواْ } له من غير تلعثم امتثالاً للأمر وأداءً لحقه عليه الصلاة والسلام { إِلاَّ إِبْلِيسَ } وكان داخلاً في زُمرتهم مندرجاً تحت الأمرِ بالسجود { قَالَ } أي عندما وُبِّخ بقوله عز سلطانه : { يا إبليس مَا لَكَ أَ ن لا تَكُونَ مَعَ الساجدين } وقولِه : { مَا مَنَعَكَ أَن لاَ تَسْجُد إِذْ أَمَرْتُكَ } وقوله : { مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بيدي } كما أشير إليه في سورة الحِجر { أأسجد } وأنا مخلوقٌ من العنصر العالي { لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا } نُصب على نزعِ الخافضِ أي من طين ، أو حالٌ من الراجع إلى الموصول أي خلقتَه وهو طينٌ ، أو من نفس الموصول أي أأسجُد له وأصلُه طينٌ ؟ والتعبيرُ عنه عليه الصلاة والسلام بالموصول لتعليل إنكارِه بما في حيز الصلة .