معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ يَحۡشُرُهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَقُولُ ءَأَنتُمۡ أَضۡلَلۡتُمۡ عِبَادِي هَـٰٓؤُلَآءِ أَمۡ هُمۡ ضَلُّواْ ٱلسَّبِيلَ} (17)

قوله تعالى : { ويوم يحشرهم } قرأ ابن كثير ، وأبو جعفر ، ويعقوب ، وحفص : يحشرهم بالياء ، وقرأ الباقون بالنون ، { وما يعبدون من دون الله } قال مجاهد : من الملائكة والجن والإنس وعيسى وعزير . وقال عكرمة والضحاك والكلبي : يعني الأصنام ، ثم يخاطبهم { فيقول } قرأ ابن عامر بالنون والآخرون بالياء ، { أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل } أخطأوا الطريق .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ يَحۡشُرُهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَقُولُ ءَأَنتُمۡ أَضۡلَلۡتُمۡ عِبَادِي هَـٰٓؤُلَآءِ أَمۡ هُمۡ ضَلُّواْ ٱلسَّبِيلَ} (17)

ثم تنتقل السورة الكريمة إلى الحديث عن حالهم عندما يعرضون هم وآلهتهم للحشر والحساب يوم القيامة ، وقد وقفوا جميعا أمام ربهم للسؤال والجواب ، قال - تعالى - : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ . . . } .

قوله - تعالى - : { وَيَوْمَ } منصوب على المفعولية بفعل مقدر ، والمقصود من ذكر اليوم : تذكيرهم بما سيحدث فيه من أهوال حتى يعتبروا ويتعظوا ، والمضير فى " يحشرهم " للكافرين الذين عبدوا غير الله - تعالى - .

وقوله : { وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله } معطوف على مفعول " يحشرهم " والمراد بهؤلاء الذين عبدوهم من دون الله : الملائكة وعزير وعيسى وغيرهم من كل معبود سوى الله - تعالى - .

والمعنى : واذكر لهم - أيها الرسول الكريم - حالهم لعلهم أن يعتبروا يوم نحشرهم جميعا للحساب والجزاء يوم القيامة ، ونحشر ونجمع معهم جميع الذين كانوا يعبدونهم غيرى .

ثم نوجه كلامنا لهؤلاء المعبودين من دونى فأقول لهم : أانتم - أيها المعبودون - كنتم السبب فى ضلال عبادى عن إخلاص العبادة لى ، بسبب إغرائكم لهم بذلك أم هم الذين من تلقاء أنفسهم قد ضلوا السبيل ، بسبب إيثارهم الغى على الرشد ، والكفر على الإيمان ؟

والسؤال للمعبودين إنما هو من باب التقريع للعابدين ، وإلزامهم الحجة وزيادة حسرتهم ، وتبرئة ساحة المعبودين .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { وَإِذْ قَالَ الله ياعيسى ابن مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذوني وَأُمِّيَ إلهين مِن دُونِ الله قَالَ سُبْحَانَكَ } وقوله - عز وجل - : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أهؤلاء إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ . . } قال الإمام الرازى ما ملخصه : فإن قيل : إنه - سبحانه - عالم فى الأزل بحال المسئول عنه فما فائدة السؤال ؟ .

والجواب : هذا استفهام على سبيل التقريع للمشركين ، كما قال - سبحانه - لعيسى : { أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذوني وَأُمِّيَ إلهين مِن دُونِ الله } ولأن أولئك المعبودين لما برءوا أنفسهم وأحالوا ذلك الضلال عليهم ، صار تبرُّؤُ المعبودين عنهم أشد فى حسرتهم وحيرتهم .

وقال - سبحانه - { أَمْ هُمْ ضَلُّوا السبيل } ولم يقل . ضلوا عن السبيل ، للإشعار بأنهم قد بلغوا فى الضلال أقصاه ومنتهاه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ يَحۡشُرُهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَقُولُ ءَأَنتُمۡ أَضۡلَلۡتُمۡ عِبَادِي هَـٰٓؤُلَآءِ أَمۡ هُمۡ ضَلُّواْ ٱلسَّبِيلَ} (17)

يقول تعالى مخبراً عما يَقَع يوم القيامة من تقريع الكفار في عبادتهم مَن عبدوا من دون الله ، من الملائكة وغيرهم ، فقال : { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ{[21432]} وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ } . قال مجاهد : عيسى ، والعُزَير ، والملائكة . { فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ } أي : فيقول الرب تبارك وتعالى [ للمعبودين ]{[21433]} أأنتم دعوتم هؤلاء إلى عبادتكم من دوني ، أم هم عبدوكم من تلقاء أنفسهم ، من غير دعوة منكم لهم ؟ كما قال الله تعالى : { وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ . مَا قُلْتُ لَهُم } {[21434]} إلى آخر الآية ؛ [ المائدة : 116 - 117 ] ولهذا قال تعالى مخبرًا عما يُجيِب به المعبودون يوم القيامة : { قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ }


[21432]:- في ف : "يحشرهم".
[21433]:- زيادة من أ.
[21434]:- بعدها في ف ، أ : (إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ يَحۡشُرُهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَقُولُ ءَأَنتُمۡ أَضۡلَلۡتُمۡ عِبَادِي هَـٰٓؤُلَآءِ أَمۡ هُمۡ ضَلُّواْ ٱلسَّبِيلَ} (17)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ أَمْ هُمْ ضَلّوا السّبِيلَ } .

يقول تعالى ذكره : ويوم نحشر هؤلاء المكذّبين بالساعة العابدين الأوثان وما يعبدون من دون الله من الملائكة والإنس والجنّ . كما :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ فيقول : أأنْتُمْ أضْلَلْتُمْ عِبادي هَؤُلاءِ قال : عيسى وعُزيرٌ والملائكة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، نحوه .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأه أبو جعفر القارىء وعبد الله بن كثير : وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ فَيَقُولُ بالياء جميعا ، بمعنى : ويوم يحشرهم ربك ، ويحشر ما يعبدون من دون فيقول . وقرأته عامة قرّاء الكوفيين : «نَحْشُرُهُمْ » بالنون ، «فنقول » . وكذلك قرأه نافع .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب .

وقوله : فَيَقُولُ أأنْتُمْ أضْلَلْتُمْ عبادِي هَؤُلاءِ يقول : فيقول الله للذين كان هؤلاء المشركون يعبدونهم من دون الله : أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء ؟ يقول : أنتم أَزَلتْموهم عن طريق الهدى ودعوتموهم إلى الغيّ والضلالة حتى تاهوا وهلكوا ، أم هم ضلوا السبيل ؟ يقول : أم عبادي هم الذين ضلوا سبيل الرشد والحقّ وسلكوا العَطَب .