الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَيَوۡمَ يَحۡشُرُهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَقُولُ ءَأَنتُمۡ أَضۡلَلۡتُمۡ عِبَادِي هَـٰٓؤُلَآءِ أَمۡ هُمۡ ضَلُّواْ ٱلسَّبِيلَ} (17)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ويوم نحشر هؤلاء المكذّبين بالساعة العابدين الأوثان وما يعبدون من دون الله من الملائكة والإنس والجنّ... عن مجاهد في قول الله:"وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ فيقول: أأنْتُمْ أضْلَلْتُمْ عِبادي هَؤُلاءِ" قال: عيسى وعُزيرٌ والملائكة...

وقوله: "فَيَقُولُ أأنْتُمْ أضْلَلْتُمْ عبادِي هَؤُلاءِ "يقول: فيقول الله للذين كان هؤلاء المشركون يعبدونهم من دون الله: "أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء"؟ يقول: أنتم أَزَلتْموهم عن طريق الهدى ودعوتموهم إلى الغيّ والضلالة حتى تاهوا وهلكوا، "أم هم ضلوا السبيل"؟ يقول: أم عبادي هم الذين ضلوا سبيل الرشد والحقّ وسلكوا العَطَب.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

يحشر الأصنام ومن عبدها، ثم يأذن لها في الكلام... {أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل} والله تعالى كان عالما ما كان منهم. لكن السؤال إياهم، والله أعلم، يخرج مخرج توبيخ أولئك الكفرة وتعييرهم لأنهم يعبدون من دون الله، ويقولون: هم أمروهم بذلك، وكانوا مقبولي القول عندهم صادقين في ما يخبرون، ويقولون، فأراد أن يظهر كذبهم عند الخلائق، لذلك سألهم، والله أعلم، بالكائن منهم من أنفسهم.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

اللَّهُ يحشرُ الكفارَ ويحشر الأصنامَ التي عبدوها من دون الله، فَيُحْيِيها ويقول لها: هل أمرتم هؤلاء بعبادتكم؟ فيتبرؤون.. كلُّه تهويلٌ وتعظيمٌ للشأن، وإلا فهو عليم بما كان وما لم يكن. فالأصنام تتبرأ منهم، تقابلهم بالتكذيب، وهم ينادون على أنفسهِم بالخطأ والضلالِ، فيُلْقَون في النار، ويَبْقَوْنَ في الوعيد إلى الأبد.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

فإن قلت: فالله سبحانه قد سبق علمه بالمسئول عنه، فما فائدة هذا السؤال؟ قلت: فائدته أن يجيبوا بما أجابوا به، حتى يبكت عبدتهم بتكذيبهم إياهم، فيبهتوا وينخذلوا وتزيد حسرتهم، ويكون ذلك نوعاً مما يلحقهم من غضب الله وعذابه، ويغتبط المؤمنون ويفرحوا بحالهم ونجاتهم من فضيحة أولئك، وليكون حكاية ذلك في القرآن لطفاً للمكلفين. وفيه كسر بيّن لقول من يزعم أن الله يضلّ عباده على الحقيقة، حيث يقول للمعبودين من دونه: أأنتم أضللتموهم، أم هم ضلوا بأنفسهم؟ فيتبرؤون من إضلالهم ويستعيذون به أن يكونوا مضلين، ويقولون: بل أنت تفضلت من غير سابقة على هؤلاء وآبائهم تفضل جواد كريم، فجعلوا النعمة التي حقها أن تكون سبب الشكر، سبب الكفر ونسيان الذكر، وكان ذلك سبب هلاكهم، فإذا برأت الملائكة والرسل أنفسهم من نسبة الإضلال الذي هو عمل الشياطين إليهم واستعاذوا منه، فهم لربهم الغنيّ العدل أشدّ تبرئة وتنزيهاً منه، ولقد نزهوه حين أضافوا إليه التفضل بالنعمة والتمتيع بها. وأسندوا نسيان الذكر والتسبب به للبوار إلى الكفرة، فشرحوا الإضلال المجازي الذي أسنده الله تعالى إلى ذاته في قوله: {يُضِلُّ مَن يَشَاء} [الرعد: 27]، [النحل: 93]، [فاطر: 8] ولو كان هو المضل على الحقيقة لكان الجواب العتيد أن يقولوا: بل أنت أضللتهم. والمعنى: أأنتم أوقعتموهم في الضلال عن طريق الحق؟ أم هم ضلوا عنه بأنفسهم؟ وضل: مطاوع «أضله» وكان القياس: ضلّ عن السبيل، إلاّ أنهم تركوا الجار كما تركوه في هذه الطريق. والأصل: إلى الطريق وللطريق. وقولهم: أضلَّ البعير، في معنى: جعله ضالاً، أي ضائعاً، لما كان أكثر ذلك بتفريط من صاحبه وقلة احتياط في حفظه، قيل: أضله، سواء كان منه فعل أو لم يكن.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وهذه الآية تتضمن الخبر عن أن الله يوبّخ الكفار في القيامة بأن يوقف المعبودين على هذا المعنى ليقع الجواب بالتبري من الذنب فيقع الخزي على الكافرين...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{نحشرهم} أي المشركين... {وما يعبدون} أي من الملائكة والإنس والجن وغيرهم ممن يعقل وممن لا يعقل؛ ونبه على سفول رتبتهم عن ذلك وعدم أهليتهم بقوله: {من دون الله} أي الملك الأعلى الذي لا كفوء له، وذكرها بلفظ "ما "إشارة إلى أن ناطقها وصامتها جماد بل عدم بالنسبة إليه سبحانه بما أشار إليه التعبير بالاسم الأعظم الدال على جميع الكمال، مع أن "ما" موضوع على العموم للعقلاء وغيرهم وإن كان أكثر استعماله في غير العقلاء... {أنتم} أي أيها المعبودات!... {أضللتم} بالقهر والخداع والمكر {عبادي هؤلاء} حتى عبدوكم...ولما كان السؤال -كما مضى- عن الفاعل لا عن الفعل، كان لا بد من قوله: {هم} أي باختيار منهم لإهمالهم استعمال ما أعطيتهم من قويم العقل وسديد النظر {ضلوا} وأوصل الفعل بدون "عن" كما في هداة الطريق بدون "إلى" لكثرة الدور، وللإشارة إلى قوة الفعل فقال: {السبيل} أي الذي نهجته ونصبت عليه الأدلة القاطعة، والبراهين الساطعة.

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

الكلام السامي في قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ} بضمير الغيبة، لأنه حديث عن جلال الله تعالى وعظمته وما يكون يوم القيامة من خطاب له سبحانه، وبذاته العلية لمن يشاء أن يكلمهم، وهم الأبرار الذين يسعدهم رب البرية بكلامه معهم، ونظره إليه سبحانه نظرة تقريب، وإيناس، وما لا يشاء لا يكلمهم ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم، وما يجري يوم القيامة في هذا الحديث هو للذين ينكرون البعث ويشكون، فكانوا غير جديرين لأن يخاطبهم بذاته العلية لأنهم لا يكلمهم ولا ينظر إليهم، فناسب ذلك ضمير الغياب، وهناك قراءة بضمير المتكلم إلقاء للهيبة في نفوسهم، وليس خطابهم إلا للوم والتأنيب، ويجوز أن يكون الخطاب من الملائكة ونسب إليه سبحانه، لأنه هو الذي أمر، والذين يعبدون يشمل العقلاء الذين عبدوهم كالملائكة، وعيسى وعزير، وكرشنة في البرهمية، وبوذا في البوذية، كما يشمل الأوثان والنار، وغيرهما مما لا يعقل.

وقد اتجه القول يوم القيامة إلى المعبودين في الدنيا من العقلاء وغيرهم، اتجه القول إليهم: {فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاء}، الفاء للإفصاح، لأنها تفصح عن شرط مقدر، والسياق هكذا، وإذا حشروا وما يعبدون يقول لهم...، والسؤال أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء، والإشارة تعود إلى الذين عبدوا غير الله من يهود، ونصارى ووثنيين ورومان وعرب، هذا الشطر الأول من المعادلة، والشطر الثاني أم هم ضلوا السبيل، والسؤال أهؤلاء الذين عبدوكم أنتم أضللتموهم بالدعوة إلى عبادتكم، أم هم ضلوا الطريق الموصل إلى الحق بالأوهام التي غشت عقولهم والشهوات التي أفسدت نفوسهم، والمتع الدنيوية التي ألهتهم.

ولقد أجاب المعبود بنفي الإضلال عنهم.