السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَيَوۡمَ يَحۡشُرُهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَقُولُ ءَأَنتُمۡ أَضۡلَلۡتُمۡ عِبَادِي هَـٰٓؤُلَآءِ أَمۡ هُمۡ ضَلُّواْ ٱلسَّبِيلَ} (17)

ولما ذكر تعالى حالهم في نفسهم أتبعه ذكر حالهم مع معبوداتهم من دونه بقوله تعالى :

{ ويوم } أي : واذكر لهم يوم { نحشرهم } أي : المشركين ، وقرأ ابن كثير وحفص بالياء ، والباقون بالنون ، واختلف في المراد بقوله تعالى : { وما يعبدون من دون الله } أي : غيره فقال الأكثرون : من الملائكة والجن والمسيح وعزير وغيرهم ، وقال عكرمة والضحاك والكلبي : من الأصنام ، فقيل لهم : كيف يخاطب الله تعالى الجماد بقوله تعالى : { فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء } أي : أوقعتموهم في الضلال بأمركم إياهم بعبادتكم { أم هم ضلوا السبيل } أي : طريق الحق بأنفسهم ، فأجابوا بوجهين :

أحدهما : أنه تعالى يخلق الحياة فيها ويخاطبها .

ثانيهما : أن يكون ذلك بالكلام النفساني لا بالقول اللساني بل بلسان الحال كما ذكره بعضهم في تسبيح الجماد وكلام الأيدي والأرجل ، ويجوز أن يكون السؤال عاماً لهم جميعاً ، فإن قيل : كيف صح استعمال ما في العقلاء ؟ أجيب : على الأول : بأنه أريد به الوصف كأنه قيل : ومعبوديهم ألا تراك تقول إذا أردت السؤال عن صفة زيد : ما زيد تعني أطويل أم قصير ، فقيه أم طبيب ؟ ، وقال تعالى : { والسماء وما بناها } ( الشمس ، 5 ) { ولا أنتم عابدون ما أعبد } ( الكافرون ، 3 ) ، وأما على القول الثاني : فواضح ، وأما على القول الثالث : فغلب غير العاقل لغلبة عباده أو تحقيراً ، فإن قيل : ما فائدة هذا السؤال مع أن الله تعالى كان عالماً في الأزل بحال المسؤول عنه ؟ أجيب : بأن هذا سؤال تقريع للمشركين كما قال لعيسى عليه السلام : { أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله } ( المائدة ، 116 ) ، وقرأ ابن عامر فنقول بالنون ، والباقون بالياء ، وقرأ أأنتم نافع وابن كثير بتسهيل الثانية وإدخال ألف بينها وبين همزة الاستفهام ، وورش وابن كثير بتسهيل الثانية ولا ألف بينهما وبين الأولى ولورش وجه آخر وهو إبدال الثانية ألفاً ، وهشام بتسهيل الثانية وتحقيقها مع الإدخال ، والباقون بتحقيقهما ، وقرأ هؤلاء أم هم نافع وابن كثير وأبو عمرو في الوصل بإبدال الهمزة من أم ياء خالصة ، والباقون بتحقيقها .