فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَيَوۡمَ يَحۡشُرُهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَقُولُ ءَأَنتُمۡ أَضۡلَلۡتُمۡ عِبَادِي هَـٰٓؤُلَآءِ أَمۡ هُمۡ ضَلُّواْ ٱلسَّبِيلَ} (17)

قوله { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ } الظرف منصوب بفعل مضمر : أي واذكر ، وتعليق التذكير باليوم مع أن المقصود ذكر ما فيه للمبالغة والتأكيد كما مرّ مراراً . قرأ ابن محيصن وحميد وابن كثير وحفص ويعقوب وأبو عمرو في رواية الدوريّ { يحشرهم } بالياء التحتية ، واختارها أبو عبيد ، وأبو حاتم لقوله في أوّل الكلام { كَانَ على رَبِّكَ } والباقون بالنون على التعظيم ما عدا الأعرج ، فإنه قرأ " نحشرهم " بكسر الشين في جميع القرآن . قال ابن عطية : هي قليلة في الاستعمال قوية في القياس ، لأن يفعل بكسر العين في المتعدي أقيس من يفعل بضمها ، وردّه أبو حبان باستواء المضموم والمكسور إلاّ أن يشتهر أحدهما اتبع { وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله } معطوف على مفعول نحشر ، وغلب غير العقلاء من الأصنام والأوثان ، ونحوها على العقلاء من الملائكة والجن والمسيح تنبيهاً على أنها جميعاً مشتركة في كونها غير صالحة لكونها آلهة ، أو لأن من يعبد من لا يعقل أكثر ممن يعبد من يعقل منها ، فغلبت اعتباراً بكثرة من يعبدها ، وقال مجاهد ، وابن جريج : المراد : الملائكة والإنس والجن والمسيح وعزير بدليل خطابهم وجوابهم فيما بعد . وقال الضحاك ، وعكرمة ، والكلبي : المراد الأصنام خاصة ، وإنها وإن كانت لا تسمع ولا تتكلم ، فإن الله سبحانه يجعلها يوم القيامة سامعة ناطقة ، { فَيَقُولُ ءأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السبيل } قرأ ابن عامر ، وأبو حيوة ، وابن كثير ، وحفص ، " فنقول " بالنون ، وقرأ الباقون بالياء التحتية ، واختارها أبو عبيد كما اختار القراءة بها في نحشرهم ، وكذا أبو حاتم . والاستفهام في قوله : { ءأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ } للتوبيخ والتقريع ، والمعنى : أكان ضلالهم بسببكم وبدعوتكم لهم إلى عبادتكم ، أم هم ضلوا عن سبيل الحق بأنفسهم لعدم التفكر فيما يستدل به على الحق ، والتدبر فيما يتوصل به إلى الصواب ؟

/خ24