قوله تعالى : { جند ما هنالك } أي : هؤلاء الذين يقولون هذا القول جند هنالك ، و ( ( ما ) ) صلة ، { مهزوم } مغلوب ، { من الأحزاب } أي : من جملة الأجناد ، يعني : قريشاً . قال قتادة : أخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم وهو بمكة أنه سيهزم جند المشركين ، وقال : { سيهزم الجمع ويولون الدبر } فجاء تأويلها يوم بدر ، و( ( هنالك ) ) إشارة إلى بدر ومصارعهم ، ( ( من الأحزاب ) ) ، أي : من حملة الأحزاب ، أي : هم القرون الماضية الذين تحزبوا وتجمعوا على الأنبياء بالتكذيب ، فقهروا وأهلكوا .
ثم بشر الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه بالنصر عليهم فقال : { جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّن الأحزاب } .
ولفظ { جند } خبر لمبتدأ محذوف . و " ما " مزيدة للتقليل والتحقير ، نحو قولك : أكلت شيئا ما . أى : شيئا قليلا ، وقيل : هى للتكثير والتهويل كقولهم : لأمر ما جدع قصير أنفه .
أى : لأمر عظيم . . وعلى كلا المعنيين فالمقصود أنهم لا وزن لهم بجانب قدرة الله - تعالى - { هُنَالِكَ } صفة لجند ، أو ظرف لمهزوم ، وهو إشارة إلى المكان البعيد .
و { مَهْزُومٌ } خبر ثان للمبتدأ المقدر ، وأصل الهَزْم : غَمْزُ الشئ اليابس حتى يتحطّم ويُكْسر .
يقال : تَهزَّمت القربة ، بمعنى يبِست ، وتكسرت . وهُزِم الجيش بمعنى غُلِب وكُسِر .
والمعنى : هؤلاء المشركون - أيها الرسول الكريم - لا تهتم بأمرهم ، ولا تكترث بجموعهم ، فهم سواء أكانوا قليلن أم كثيرين ، لا قيمة لهم بجانب قوتنا التى لا يقف أمامها شئ ، ومهما تحزوا عليك فهم جند مهزومون ومغلوبون أمام قوة المؤمنين فى مواطن متعددة .
فالآية الكريمة بشارة للمؤمنين بالنصر على أعدائهم كما قال - تعالى - : { سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر } قال صاحب الكشاف : قوله : { جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّن الأحزاب } يريد ما هم إلا جيش من الكفار المتحزبين على رسل الله مهزوم مكسور عما قريب ، فلا تبال بما يقولون ، ولا تكترث بما يهذون ، و " ما " مزيدة ، وفيها معنى الاستعظام . . إلا أنه على سبيل الاستهزاء بهم . و { هنالك } إشارة حيث وضعوا فيه أنفسهم من الانتداب لمثل ذلك القول العظيم ، من قولهم لمن ينتدب لأمر ليس من أهله : لست هنالك .
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد حكت أقوال المشركين ، وردت عليها ردا يكبتهم ويزهق باطلهم ، وختمت بما يبشر المؤمنين بالنصر عليهم .
ثم قال : { جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الأحْزَابِ } أي : هؤلاء الجند المكذبون الذين هم في عزة وشقاق سيهزمون ويغلبون ويكبتون كما كبت الذين من قبلهم من الأحزاب المكذبين وهذه كقوله : { أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ } وكان ذلك يوم بدر { بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ } [ القمر : 44 : 46 ] .
وقوله : ( جُنْدٌ مّا هنالك مَهزُومٌ مِنَ الأحْزَابِ ) : يقول تعالى ذكره : هم جُنْدٌ : يعني الذين في عزة وشقاق هنالك ، يعني : ببدر مهزوم . وقوله : هُنالكَ من صلة مهزوم وقوله : مِنَ الأحْزَابِ يعني من أحزاب إبليس وأتباعه الذين مضوا قبلهم ، فأهلكهم الله بذنوبهم . و«مِنْ » من قوله : مِنَ الأحْزَابِ من صلة قوله جند ، ومعنى الكلام : هم جند من الأحزاب مهزوم هنالك ، وما في قوله : جُنْدٌ ما هُنالكَ صلة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( جُنْدٌ مّا هُنالكَ مَهْزُومٌ مِنَ الأحْزَابِ ) : قال : قُريش من الأحزاب ، قال : القرون الماضية .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( جُنْدٌ مّا هُنالكَ مَهْزُومٌ مِنَ الأحْزَابِ ) : قال : وعده الله وهو بمكة يومئذٍ أنه سيهزم جندا من المشركين ، فجاء تأويلها يوم بدر . وكان بعض أهل العربية يتأوّل ذلك جُنْدٌ مّا هُنالكَ مغلوب عن أن يصعد إلى السماء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.