الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{جُندٞ مَّا هُنَالِكَ مَهۡزُومٞ مِّنَ ٱلۡأَحۡزَابِ} (11)

قوله : { جُندٌ } : يجوزُ فيه وجهان ، أحدُهما : وهو الظاهرُ أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ أي : هم جُنْدٌ . و " ما " فيها وجهان ، أحدهما : أنها مزيدةٌ . والثاني : أنَّها صفةٌ ل " جُنْدٌ " على سبيلِ التعظيم للهُزْءِ بهم أن للتحقير ، فإنَّ " ما " الصفة تُستعمل لهذين المعنيين . ومثلُه قولُ امرىءِ القيس :

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** وحَديثٌ ما على قِصَرِهْ

وقد تقدَّم هذا في أوائلِ البقرة . و " هنالك " يجوز فيه ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدُها : أَنْ يكونَ خبر الجند و " ما " مزيدةٌ و " مَهْزُوم " نعتٌ ل " جُنْد " ذكره مكيٌّ . الثاني : أَنْ يكون صفةً ل " جند " . والثالث : أَنْ يكونَ منصوباً بمهزوم . ومَهْزوم يجوزُ فيه أيضاً وجهان ، أحدهما : أنه خبرٌ ثانٍ لذلك المبتدأ المقدرِ . والثاني : أنه صفةٌ ل " جُنْد " إلاَّ أنَّ الأحسنَ على هذا الوجهِ أَنْ لا يُجْعَلَ " هنالك " صفةً بل متعلقاً به ، لئلا يَلْزَمَ تقدُّم الوصفِ غيرِ الصريح على الصَّريح . و " هنالك " مشارٌ به إلى موضعِ التقاوُلِ والمجاوزةِ بالكلمات السابقة وهو مكةُ أي : سيُهزمون بمكةَ وهو إخبارٌ بالمغيَّبِ . وقيل : مُشارٌ به إلى نُصرةِ الأصنامِ . وقيل : إلى حَفْرِ الخندقِ يعني : إلى مكانِ ذلك . الثاني من الوجهين الأولين : أَنْ يكونَ " جندٌ " مبتدأ و " ما " مزيدةٌ . و " هنالك " نعتٌ و " مهزوم " خبرُه قاله أبو البقاء . قال الشيخ : " وفيه بُعْدٌ لتفلُّتِه عن الكلامِ الذي قبلَه " . قلت : وهذا الوجهُ المنقولُ عن أبي البقاءِ سبقه إليه مكي .

قوله : " من الأحزاب " يجوزُ أَنْ يكونَ صفةً ل " جُند " ، وأنْ يكونَ صفةً ل " مهزومٌ " . وجَوَّزَ أبو البقاء أَنْ يكونَ متعلقاً به . وفيه بُعْدٌ ؛ لأنَّ المرادَ بالأحزاب هم المهزومون .