قوله تعالى : { وسيق الذين كفروا إلى جهنم } سوقاً عنيفاً { زمراً } أفواجاً بعضها على إثر بعض كل أمة على حدة . قال أبو عبيدة والأخفش : " زمراً " أي : جماعات في تفرقة ، واحدتها زمرة . { حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها } السبعة ، وكانت مغلقة قبل ذلك . قرأ أهل الكوفة " فتحت " وفتحت بالتخفيف . وقرأ الآخرون بالتشديد على التكثير . { وقال لهم خزنتها } توبيخا ، ً وتقريعاً لهم . { ألم يأتكم رسل منكم } من أنفسكم ، { يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت } وجبت { كلمة العذاب على الكافرين } وهو قوله { لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين } ( الأنبياء-48 ) .
ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة ببيان مصير الكافرين ، وببيان مصير المتقين ، وببيان ما يقوله المتقون عندما يرون النعيم المقيم الذى أعده - سبحانه - لهم ، فقال - تعالى - :
{ وَسِيقَ الذين كفروا إلى جَهَنَّمَ . . . } .
قوله - تعالى - { وَسِيقَ } من السوق بمعنى الدفع ، والمراد به هنا الدفع بعنف مع الإِهانة و { زُمَراً } أى : جماعات متفرقة بعضها فى إثر بعض . جمع زمرة وهى الجماعة القليلة ، أى : وسيق الذين كفورا إلى نار جهنم جماعات جماعات ، وأفواجا أفواجا .
{ حتى إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } لتستقبلهم بحرها وسعيرها ، وكأنها قبل مجيئهم إليها كانت مغلقة كما تغلق أبواب السجون ، فلا تفتح إلا لمن هم أهل لها بسبب جرائمهم .
{ وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَآ } على سبيل الزجر والتأنيب { أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ } أى : من جنسكم تفهمون عنهم ما يقولونه لكم .
وهؤلاء الرسل { يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ } المنزلة لمنفعتكم { وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هذا } أى : ويخوفونكم من أهوال يومكم هذا وهو يوم القيامة .
{ قَالُواْ بلى ولكن حَقَّتْ كَلِمَةُ العذاب عَلَى الكافرين } أى : قالوا فى جوابهم على سائلهيم : بلى قد أتانا الرسل وبلغونا رسالة الله ، ولكننا لم نطعهم ، فحقت كلمة العذاب علينا ، ووجبت علينا كلمة الله التى قال فيها : { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ }
يخبر تعالى عن حال الأشقياء الكفار كيف يساقون إلى النار ؟ وإنما يساقون سوقا عنيفا بزجر وتهديد ووعيد ، كما قال تعالى : { يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } [ الطور : 13 ] أي : يدفعون إليها دفعا . هذا وهم عطاش ظماء ، كما قال في الآية الأخرى : { يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا } [ مريم : 86 ، 85 ] . وهم في تلك الحال صُمُّ وبكم وعمي ، منهم من يمشي على وجهه ، { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا } [ الإسراء : 97 ] .
وقوله : { حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } أي : بمجرد وصولهم إليها فتحت لهم أبوابها سريعا ، لتعجل لهم العقوبة ، ثم يقول لهم خزنتها من الزبانية - الذين هم غلاظ الأخلاق ، شداد القوى على وجه التقريع والتوبيخ والتنكيل - : { أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ } أي : من جنسكم تتمكنون من مخاطبتهم والأخذ عنهم ، { يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ } أي : يقيمون عليكم الحجج والبراهين{[25311]} على صحة ما دعوكم إليه ، { وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا } أي : ويحذرونكم من شر هذا اليوم ؟ فيقول الكفار لهم : { بَلَى } أي : قد جاءونا وأنذرونا ، وأقاموا علينا الحجج والبراهين ، { وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ } أي : ولكن كذبناهم وخالفناهم ، لما سبق إلينا{[25312]} من الشَقْوة التي كنا نستحقها حيث عَدَلْنا عن الحق إلى الباطل ، كما قال تعالى مخبرا عنهم في الآية الأخرى : { كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نزلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ } [ الملك : 8 - 10 ] ، أي : رجعوا على أنفسهم بالملامة والندامة { فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأصْحَابِ السَّعِيرِ } [ الملك : 11 ] أي : بعدا لهم وخسارا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.